تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

فصل: [فيمن يغسل الميت؟]

صفحة 527 - الجزء 2

  قلنا: ذلك مختص به ÷، يدل على ذلك حديث عائشة، قالت: لما أرادوا غسل النبي ÷ قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله ÷ من ثيابه كما نجرد موتانا، أو نغسله وعليه ثيابه؟ فلما اختلفوا ألقى الله تبارك وتعالى عليهم النوم، حتى ما منهم من رجل إلا وذقنه في صدره، فكلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو: اغسلوا رسول الله ÷ وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله ÷ فغسلوه وعليه قميصه، يصبون الماء فوق القميص، ويدلكونه بالقميص دون أيديهم، فكانت عائشة تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه. أخرجه أبو داود⁣(⁣١).

  وإذا كان الغاسل جنسا، وأراد غسل العورة، وجب عليه أن يلف يده لغسلها بخرقة؛ لئلا يباشر العورة. وأما الزوج أو الزوجة فلا يجب ذلك عليهما، لكنه يستحب؛ للبعد عن مظنة الشهوة، وكذا الكلام في السيد وأمته. وأما المحرم غير الجنس فلا يغسل العورة بخرقة، بل بالصب، فقط؛ لما تقدم من أن حكم عورة الجنس مع جنسه أخف منه مع المحرم.

  قوله أيده الله تعالى: (وندب مسح بطن غير حامل، وترتيب، وتثليث بحرض، فسدر، فكافور) أي يندب لغاسل الميت ثلاثة أشياء:

  أحدها: أن يمسح بطن الميت قبل إفراغ الماء عليه ثلاث مسحات؛ لتخرج النجاسة التي لا يؤمن أن تخرج بعد غسله، فيبطل الغسل، ويكون ذلك مسحًا رفيقا؛ لئلا ينقطع شيء من أمعائه⁣(⁣٢).

  وقال الشافعي: مسحا بليغا⁣(⁣٣)، كما روي عن ابن عمر حين غسل عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر⁣(⁣٤).

  وإنما يندب ذلك في حق غير الحامل، فأما هي فلا يمسح بطنها؛ لئلا يخرج الولد. وهذا حيث لا يجب الشق له. قيل: ويستحب حينئذٍ أن يجلسه الغاسل برفق، مائلا إلى خلفه، ويسند ظهره إلى ركبته اليمنى، ويضع يده اليمنى على كتفه، وإبهامه في وهدة


(١) سنن أبي داود ص ٥٤١ رقم (٣١٣٩)، كتاب الجنائز - باب ستر الميت عند غسله.

(٢) الأحكام في الحلال والحرام ١/ ١٦٤، والتحرير /١٢٥، وشرح الأزهار ١/ ٤١٢، والبحر الزخار ٢/ ١٠١، والبيان الشافي ١/ ٤٢١.

(٣) الحاوي ٣/ ١٧٠، والمجموع ٥/ ١٣١، وروضة الطالبين ص ٢٢١.

(٤) عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، تابعي، روى له أبو داود في الناسخ والمنسوخ وفي القدر، والباقون سوى الترمذي. ينظر: طبقات ابن سعد ٥/ ١٩٤، وتهذيب الكمال ١٥/ ١٩٧.