تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

[مسائل العدل]

صفحة 115 - الجزء 1

  فلو قدرنا أنه تعالى أخل بشيءٍ منها - لقبح موجبه، أو الإخلال به على الخلاف بين الشيخين⁣(⁣١). وهذه القاعدة وهي كونه تعالى لا يفعل القبيح، ولا يخل بالواجب؛ لعلمه بقبح ذلك وغناه عنه، وعلمه باستغنائه عنه ينبني عليها سائر مسائل العدل، والوعد والوعيد، والنبوة، مثل كونه لا يكلف أحدًا ما لا يطيقه، ولا يعاقبه إلاَّ بذنبه، ولا يثيبه إلاَّ بعمله، وأنه لا يخلف في وعده ووعيده، وأنه تعالى لا يرسل كاذبًا، ولا يظهر المعجز على يده، إلى غير ذلك من المسائل المستلزمة كونه فاعلا للقبيح تعالى وتقدس عن ذلك.

  وأما مسألة كونه تعالى مريدًا وكارهًا فدليلها أنه أَمَرَ، وتهدد، وأباح بصيغةٍ واحدة؛ كقوله تعالى: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ}⁣(⁣٢)، {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ}⁣(⁣٣)، {كُلُوا وَاشْرَبُوا}⁣(⁣٤) فلولا أنه مريد لِمَا تناوله الأمر، وكارهٌ لِمَا تناوله التهدد، وغير مريدٍ ولا كارهٍ لِمَا تناولته الإباحة - لَلَزِمَ أن لا تتميز بعض هذه الأمور من بعض.

  وقوله أيده الله وحفظه: ومُلْزِمُ عقول العاقلين ... إلى آخره أراد بذلك إعلامها [بما ذكر بَمَا نَصَبَ لها مِن الأدلة العقلية]⁣(⁣٥) ولم يرد إلزامها لذلك بالسمع؛ لما سبق ذكره من أنه لا يصح الاستدلال بالسمع على ما يتوقف صحة السمع على العلم به؛ لتأدية ذلك إلى الدور، وإنما جعل الإلزام للعقول، وهو في الحقيقة للعاقلين؛ قصدًا إلى المبالغة، وافتنانًا في البلاغة. والله أعلم.

  قوله: (وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً طالعة من أفق انتفاء لازم اجتماع الأقران والأضداد أَبْهَرَ طلوعٍ). ثَلَّثَ الإمام عز نصره بالشهادتين؛ اتباعًا للسنة النبوية التي أشار إليها النبي ÷ بقوله: «كل خطبة [لم يكن فيها]⁣(⁣٦) تَشَهُّدٌ فهي كاليد الجذماء». أخرجه أبو داود، والترمذي من رواية أبي


= الأكياس ١/ ٣٢٥. وقال أكثر الزيدية: ما يفعله الله تعالى لا يقال بأنه واجب عليه؛ لإيهامه التكليف؛ ولأن الطاعة شكر له جل وعلا؛ فالثواب تفضل محض.

(١) الشيخان هما: أبو هاشم، وأبو علي الجبائي. وستأتي ترجمتهما.

(٢) سورة البقرة: ٣.

(٣) سورة فصلت: ٤٠.

(٤) سورة البقرة: ٦٠.

(٥) في (ب): بما ذكر من نصب الأدلة العقلية.

(٦) في السنن: ليس فيها.