تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

[شرح خطبة الأثمار]

صفحة 116 - الجزء 1

  هريرة⁣(⁣١)، وعلى ذلك جرى السلف والخلف في جميع خطبهم في الأغلب، مع كون⁣(⁣٢) في الشهادة بالوحدانية على الوجه الذي ذكره الإمام - حفظه الله تعالى - إشارةٌ إلى الدليلين⁣(⁣٣) العقلي والسمعي على نفي الثاني على جهة التفصيل، وإنْ كان يمكن العلم بذلك مما سبق ذكره على جهة الإجمال.

  أما الآيات الدالة على نفي الثاني فظاهرة كثيرة جدًا؛ كقوله عز وعلا: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}⁣(⁣٤)، {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}⁣(⁣٥)، {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}⁣(⁣٦) إلى غير ذلك من الآيات الكريمة الصريحة، وقد تقدم أن هذه المسألة مما يصح الاستدلال عليه بالسمع؛ لعدم توقف صحته على العلم بها. وأما الدليل العقلي فهو الذي أشار إليه الإمام عز نصره بذكر انتفاء لازم اجتماع الأنداد والأضداد.

  وأراد أيده الله باللازم: ما يلزم من صحة التمانع على القول بالثاني، وهذا الدليل هو المشار إليه بقوله ø: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا}⁣(⁣٧) ففي هذه الآية الكريمة استدلال بالعلم بانتفاء الفساد على العلم بانتفاء تعدد الآلهة؛ لأن «لو» كلمة شرطٍ تدل على امتناع الشيء لامتناع غيره، كما هو معروف، فالتقدير لكن لم تفسدا؛ فعلم عدم تعدد الآلهة.

  وتحرير دليل التمانع على قاعدة المتكلمين أن يقال: لو كان مع الباري ø قديمٌ ثانٍ - لوجب أن يكون مماثلاً له في ذاته، ومشاركًا له في جميع صفاته على الحد الذي يستحقها؛ لاشتراكهما في القدم الذي هو أخص الصفات الذاتية، فيكون كل منهما قادرًا


(١) أبو داود ٥/ ١٧٣ رقم ٤٨٤١، كتاب الأدب، باب الخطبة. والترمذي ٣/ ٤١٤ رقم ١١٠٦، كتاب النكاح، باب الخطبة، وقال: حديث حسن صحيح غريب، وابن حبان ٧/ ٣٦ رقم (٢٧٩٦)، باب ذكر تمثيل المصطفى ÷ الخطبة المتعرية عن الشهادة باليد الجذماء، وابن أبي شيبه في المصنف ٥/ ٣٣٩ رقم (٢٦٦٨١)، باب ما قالوا فيما يستحب أن يبدأ به الكلام، والبيهقي في السنن ٣/ ٢٠٩، كتاب الصلاة - باب ما يستدل به على وجوب التحميد في خطبة الجمعة.

(٢) في (ب): كونه.

(٣) في (ب، ج): الدليل.

(٤) سورة البقرة: ٢٥٥.

(٥) سورة آل عمران: ١٨.

(٦) سورة محمد: ١٩.

(٧) سورة الأنبياء: ٢٢.