تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

[شرح خطبة الأثمار]

صفحة 124 - الجزء 1

  وقوله: «الباقي، إلى آخره»، اراد به القرآن المجيد الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ}⁣(⁣١)؛ لأنه أعظم معجزات النبي ÷ وأبهرها [وأظهرها]⁣(⁣٢) وأشهرها، وكونه لا خلاف في تواتره؛ ولبقائه على مر الأدوار، وتعاقب الأعصار، وتمكن كل مكلفٍ من مشاهدته ومعرفة إعجازه، بخلاف سائر معجزاته ÷، ومعجزات سائر الأنبياء، وإلاَّ فمعجزاته - صلوات الله عليه وسلامه - لا تحصى بِعَدٍّ ولا تحصر بِحَدٍّ، وقد صنف العلماء - رحمهم الله - في تعداد ما صح النقل به، منها مصنفات كثيرة مشهورة.

  وقد ذكر الحاكم أبو سعيد⁣(⁣٣) [منها نحوًا من ألف]⁣(⁣٤) معجزة، ويسمى المعجز معجزًا؛ لعجز الخلق عن الإتيان به بمثله.

  ووجوه إعجاز القرآن كثيرة معلومة منها البلاغة الخارقة لعادة العرب الذين هم فرسان هذا الميدان، والمعروفون بذرابة اللسان، والمشار إليهم في البيان بالبنان.

  ومنها: نظمه العجيب، وأسلوبه الغريب، الذي لم يوجد قبله ولا بعده نظير له، ولا قدر أحد على الإتيان بأقصر سورة من مثله.

  ومنها: ما انطوى عليه من الإخبار بالمغيبات التي لم تقع فوقعت كما أخبر.

  ومنها: الإخبار بقصص القرون الماضية، والأمم السالفة، والشرائع الداثرة التي تعجز العلماء عن حفظ أقلها مع كونه أميًّا لا يقرأ ولا يكتب، والكلام على هذه الوجوه الأربعة يفتقر إلى مجلدات كثيرة. وقد ذكر غيرها مما اختص به من وجوه الإعجاز التي [حيرت]⁣(⁣٥) ألباب البلغاء، وأخرست شقاشق الفصحاء؛ والدليل على كونه معجزًا


(١) سورة فصلت: ٤٢.

(٢) ما بين القوسين ساقط من (ب).

(٣) الحاكم أبو سعيد: المحسن بن محمد بن كرامة الجشمي البيهقي، مفسر، ومحدث، فقيه متكلم، مصنف مكثر، له في التفسير: التهذيب في التفسير، والسفينة، وجلاء الأبصار، تنبيه الغافلين، وغير ذلك، استشهد بمكة سنة (٤٩٩ هـ). طبقات الزيدية الكبرى (القسم الثالث) ٢/ ٣٠٧ رقم ٥٥٥، الأعلام للزركلي ٥/ ٢٨٩.

(٤) في (ب): نحو ألف. قلت: لعل العبارة أنها نحوًا من ألف معجزة؛ لأن الحاكم قال في تحكيم العقول ص ٢١٤: ويذكر أن له ألف معجزة إلا أن بعضها منقول بالتواتر، وبعضها بالآحاد.

(٥) في (ب): أَعجزت.