تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

[شرح خطبة الأثمار]

صفحة 126 - الجزء 1

  قول خير القائلين عز سلطانه: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}⁣(⁣١) أخبر تعالى أولاً أنه يصلي هو وملائكته المقربون على نبيه، - صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله - ثم أمر عباده المؤمنين [بأن]⁣(⁣٢) يصلوا عليه ويسلموا تسليمًا؛ اقتداءً بفعله سبحانه، وفعل ملائكته⁣(⁣٣)؛ ترغيبًا لهم في هذه الطاعة العظيم شأنها، وحثًّا لهم على هذه القربة السامي مكانها؛ لما اشتملت عليه من تعظيم سيد المرسلين وحبيب رب العالمين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله الطاهرين.

  قال مولانا أمير المؤمنين أطال الله بقاءه ونصر لواءه: قد ذكر العلماء معاني الصلاة: وهي في الأصل بمعنى الدعاء في جميع وجوهها، وهي في حق الباري ø مجاز عن الرحمة؛ لأن الداعي لغيره راحم له.

  فإذا قلت: اللهم صل على فلان، فقد استعملت الصلاة التي بمعنى الدعاء في الرحمة التي هي سبب الدعاء، فأطلقت اللفظ الدال على السبب، وأردت به المسبَّب، وذلك من قبيل المجاز العقلي⁣(⁣٤)، وهذا في أصل استعمال الصلاة.

  فأما الصلاة على نبينا محمد ÷ فقد صارت حقيقة شرعية في معنى آخر: وهو الإجلال والتعظيم، وطلب ذلك من الباري ø على غاية ما يمكن طلبه من المعبود لأحب عباده إليه، وأجلهم لديه، وهذا الطلب تعظيم أيضًا من الطالب للمطلوب له، وبهذا فارقت ما ورد من الصلاة على غيره ÷ كما في قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}⁣(⁣٥)، وقوله ø: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ}⁣(⁣٦) وقول رسول الله ÷: «اللهم صل على آل أبي أوفى»⁣(⁣٧)، وقوله ÷: «وصلت عليهم


(١) سورة الأحزاب: ٥٦.

(٢) ما بين المعقوفتين زيادة من (ب، ج).

(٣) في (ب): وبفعل ملائكته.

(٤) في (ج، ب، ش): المجاز المرسل العقلي، وهو الصواب، والله أعلم.

(٥) سورة التوبة: ١٠٣.

(٦) سورة الأحزاب: ٤٣.

(٧) البخاري ٢/ ٥٤٤ رقم (١٤٢٦)، كتاب الزكاة - باب صلاة الإمام، ودعائه لصاحب الصدقة، ومسلم =