تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

[شرح خطبة الأثمار]

صفحة 147 - الجزء 1

  وذكر التصحيح مناسب للمباني؛ تشبيهًا بتصحيح الأساس الذي يقع عليه البناء.

  والمراد بالجم الغفير: الكثير جدًا، وهما في الأصل من صفات الأجسام، يقال: جَمَّ الماء فهو جمٌّ إذا كَثُرَ.

  والغَفْرُ: التغطية والستر، ومنه: اللهم اغفر ذنوبنا أي استرها بعفوك، ويقال: جاءوا جمًا غفيرًا⁣(⁣١).

  والجم الغفير: أي جميعهم، الشريف والوضيع، وفيهم كثرة سترت وجه الأرض⁣(⁣٢).

  قوله: (فجاء بحمد الله أخمصَ، وأبطنَ، وأرخصَ، وأثمنَ، وأهشَّ، وأمتنَ، وأبشَّ، وأركنَ).

  هذه الكلمات أعذب من السلسال، وأعجب من السحر الحلال، وألذ من مأمول الوصال، [أزاد الله]⁣(⁣٣) معالي منشئها من عين الكمال، وبارك له فيما اختصه به من كمال الخلال، فما أحقها بقول من قال:

  يراها البليغ الألمعي قريبة ... ويعجز عن أمثالها أن يقولها⁣(⁣٤)

  قد اشتملت على الاستعارات الفائقة، وعلى الترصيع، والتقفية، وإيهام التضاد، والمطابقة.

  فقوله: «أخمص» استعارة من خميص البطن وهو ضامره، وذلك عبارة عن قلة ألفاظه ولطافة حجمه.

  «وأبطن» استعارة من مقابل أخمص، وذلك لكثرة معانيه وقوة فوائده.

  «وأرخص» استعارة من الشيء الرخيص القليل ثمنه، لتيسر فهمه وسهولة مأخذه.

  «وأثمن»: أي أكثر ثمنًا، فهو بمعنى أغلى، عبارة عن نفاسته وعظم قدره؛ لأن كثرة الثمن في العادة إنما تكون لنفاسة المثمن، والرخص في الأصل مشتق من الشيء الرخيص أي اللين الناعم، والغلاء مشتق من الغلو: وهو مجاوزة الحد.


(١) القاموس المحيط ص ٤٢٠.

(٢) القاموس المحيط ص ٤٢٠، مختار الصحاح ص ٤٧٧.

(٣) في النسخ: أعاذ الله؛ والصواب ما أثبتناه. والله أعلم.

(٤) في (ش): يراها البليغ الحبر سهلاً منالها. والبيت لحسان بن ثابت. ينظر: ديوانه ص ٣٣٥ بلفظ:

يراها الذي لا ينطق الشعر عنده ... ويعجز عن أمثالها أن يقولها