تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

[شرح خطبة الأثمار]

صفحة 149 - الجزء 1

  كتاب الأزهار عاريا عن أوصاف الكمال السرية - فرفع ذلك الوهم بما ذكره من فضيلة السبق والتقدم؛ رعاية لحق مؤلفه الإمام القَمْقَام⁣(⁣١)، وهضمًا للنفس كما هو دأب فضلاء الأنام، فقال - أطال الله له الأيام وحرسه بعينه التي لا تنام -: (ولولاه لما أعاد ولا أبدى المتأخر في الإحسان، بل ولا في الإحسان) كلمة «لولا» تدل على امتناع الشيء لوجود غيره، ويليها مبتدأ محذوف الخبر وجوباً في الأغلب؛ لسد جوابها مسده.

  وأعاد وأبدى فيهما طباق، [وهما متنازعان للفاعل وهو المتأخر]⁣(⁣٢)، والأحسن أن لا يقدر لأيهما مفعول؛ لتنزلهما منزلة الأفعال اللازمة، أي لما فعل الإعادة ولا الإبداء كما في قولهم: فلان يعطي ويمنع، ويصل ويقطع، بمعنى يفعل الإعطاء والمنع والوصل والقطع، ومن ذلك قوله تعالى: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ}⁣(⁣٣) [أي يفعل الإبداء والإعادة]⁣(⁣٤)، والمراد بالإحسان الأول: الإتيان بالشيء الحسن، والإحسان الثاني: القدرة على الفعل والتمكن منه، ومنه قول أمير المؤمنين علي: «قيمةُ كلِّ امرئٍ ما يُحْسِنُهُ»⁣(⁣٥)، أي ما يقدر على إيجاده، ويتمكن من فعله.

  قال مولانا الإمام نصره الله: وقد صار هذا أكثر استعمالاً من المعنى الأول، وإن كان الأول هو الحقيقة اللغوية، قلت: يعني أنه هو الذي يدل عليه الاشتقاق من الحسن.

  قوله: (ولا أجاد ولا أنْدَى المتعقب في الإمكان، بل ولا في الإمكان) قوله: أجاد: مأخوذ من الجَوْدِ: وهو المطر الغزير، وأندى من الندى: وهو البلل اليسير، وهما في الطباق والتنازع مثل كـ أعاد وأبدأ.

  «والمتعقب»: الذي يتعقب غيره، أي يأتي عقيبه، وقد يستعمله أهل علوم الحديث في الذي يتتبع كلام غيره فيستدرك عليه شيئًا منه، فيقولون: قال فلان كذا وتعقبه فلان، فقال كذا، الإمكان الأول جعل الشيء مكينًا: أي ذا مكانة، وعلو منزلة، من قولهم: ما أمكنه عند الأمير، وهذا قليل.

  والثاني: بمعنى القدرة على الشيء، من قولهم: فلان يمكنه القيام بهذا الأمر، أي:


(١) القَمْقَام: السيد الجامع للسيادة، الواسع الخبير.

(٢) في (ش): طباق لتقابلهما وهما متنازعان لفاعل، وهو لفظ المتأخر.

(٣) سورة البروج: ١٣.

(٤) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب، ج).

(٥) ينظر: نهج البلاغة ص ٦٩٦.