[شرح خطبة الأثمار]
  وبالأصغر جهاد أعداء الدين، وفيه إشارة إلى ما ورد في بعض الأحاديث أن النبي ÷ لما قفل من بعض غزواته قال: «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»(١)، وسئل عن الجهاد الأكبر؟ فقال: «هو جهاد النفس» هذا معنى الحديث أو نحوه. والله أعلم، وإنما كان جهاد النفس هو الأكبر؛ لاستمراره، وصعوبة علاجه، وغموض غوائله، وكثرة مداخله، واتساع متعلقاته.
  وما أحسن ما حكاه مولانا الإمام المهدي لدين الله قدس روحه في آخر كتاب البحر عن بعض الوعاظين، وذلك قوله: يا مقهورًا بغلبة النفسِ، صُلْ عليها بطول العزيمة، فإنَّها إنْ عَرَفَتْ جِدَّكَ استأسَرَتْ لك، وَامْنَعَهَا لَذِيذَ المباحِ، لِتَصْطَلِحَا على ترك الحرام؛ الشيطان والدنيا عدوان بائنان عنك، والنفس عدو مباطن(٢).
  ومن أدب القتال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ}(٣)، وكفى بقول الملك الجليل في محكم التنزيل تأديبًا وتهذيبًا: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}(٤).
  وقوله: «الجزئية والكلية» صفة لأركان [الجهاد](٥)؛ لأن كل واحد منهما يتعلق بأمور مخصوصة معينة وهي الجزئية، وبأمور عامة غير معينة وهي الكلية، ولذلك يقول المنطقيون: الكلي: ما لا يمنع نفس تصور مفهومه من وقوع الشركة فيه. والجزئي: ما يمنع تصور مفهومه من ذلك.
  وقوله: «في كل زمان ومكان» أما عموم الجهاد الأكبر لجميع الأزمنة والأمكنة، فهو ظاهر؛ إذ لا ينفك المكلف عنه في جميع الأحوال، وبحسب اتساع حاله تكثر تكاليفه، وجهاده لنفسه، فأما الجهاد الأصغر فذلك في حق مثل الإمام عز نصره قريبٌ من الأكبر في استغراقه الجنان، وأمَّا استغراق الأركان فذلك على جهة المبالغة المقبولة تنزيلا للأكثر منزلة الجميع، كما ورد في الحديث: «أما أبو جهم فلا يضع عصاه [عن](٦) عاتقه»(٧) مع أن
(١) أخرج نحوه في كنز العمال ٤/ ٦١٦ رقم (١١٧٧٩)، باب الجهاد الأصغر والأكبر، وعزاه إلى الديلمي.
(٢) كتاب تكملة الأحكام والتصفية من بواطن الآثام من البحر الزخار ٦/ ٧٦٥.
(٣) سورة التوبة: ١٢٣.
(٤) سورة النازعات: ٤٠ - ٤١.
(٥) في (ب، ج): الجهادين.
(٦) في (ج): على.
(٧) صحيح مسلم ٢/ ١١١٤ رقم (١٤٨٠)، كتاب الطلاق - باب المطلقة ثلاثا لا نفقه لها.