فصل: [في حكم المقلد يأخذ مذهب إمامه الميت]
فصل: [في حكم المقلد يأخذ مذهب إمامه الميت]
  (ولا يأخذ مذهب نحو ميت إلاَّ من جامع شروط صحة الرواية) أي لا يجوز لنحو المقلد أن يأخذ مذهب إمامه الميت أو نحوه، وهو الغائب، إلا ممن اجتمعت فيه الشرائط التي سنذكرها: أولها(١): أن يكون جامعًا لشروط صحة الرواية، وهي في الحقيقة شرطان: عدالة الراوي، وضبطه لما روى.
  وأما كونه بالغًا عاقلاً فقد دخل في اشتراط العدالة؛ إذ لا تتحق من دونهما، وقد تقدم تعريف العدالة. وأما الضبط: فالمراد به أن(٢) يتيقن أن الذي رواه هو الذي سمعه.
  وفي جواز الرواية بالمعنى مع الضبط له خلاف بين الأصوليين، ولا بد مع حصول شروط صحة الرواية لمن يأخذ عنه المقلد من أن يكون عارفًا؛ لما ذكره المؤلف أيده الله تعالى بقوله: (عارف دلالة الخطاب والساقط منها) والمراد بدلالة الخطاب مفهومات المخالفة، وذلك أن اللفظ يدل بمفهومه ومنطوقه(٣)، ولكل منهما أقسام، ولم يتعرض في الأثمار ولا في أصله للمنطوق ولا لمفهوم الموافقة؛ لعدم الحاجة إلى معرفتهما في هذه المقدمة. وقد استوفى المؤلف أيده الله الكلام عليهما في شرحه بما لا مزيد عليه.
  ومعنى مفهوم المخالفة(٤): أن المسكوت عنه مخالف للمذكور(٥) في حكمه إثباتًا ونفيًا(٦)، وسميت دلالة الخطاب؛ ولأنها استفيدت من الخطاب بالاستدلال كما تبين، [وهو أقسام](٧): فمنها: مفهوم الصفة نحو: «في الغنم السائمة زكاة»(٨)، فيفهم منهم أن المعلوفة لا زكاة فيها، وإلاَّ لم يكن لذكر الصفة، وهي قوله: «السائمة» فائدة(٩).
(١) في (ج): الأول.
(٢) في (ب، ج): فالمراد أن.
(٣) في (ب، ج): بمنطوقه ومفهومه.
(٤) ذهب الجمهور إلى أن مفهوم المخالفة حجة يجب العمل به عدا مفهوم اللقب. وقال الحنفية، وابن سريج، والقفال، وجماعة من المالكية، وكثير من المعتزلة، وأبو الحسن التميمي: بعدم حجية مفهوم المخالفة في جميع أنواعه. ينظر: والدلالات وطرق الاستنباط، د. إبراهيم أحمد الكندي - دار قتيبة - بيروت - ط ١ (١٤١٩ - ١٩٩٨ م) ص ٢٦٠.
(٥) في (ش): للمنطوق.
(٦) ينظر: الكاشف لذوي العقول ص ٢٧١، ومختصر منتهى السؤل والأمل في علمي الأصول والجدل، ٢/ ٩٤١، والإحكام للآمدي ٣/ ٦٧، وشرح الكوكب المنير ٣/ ٤٨٩، والدلالات وطرق الاستنباط ص ٢٥٧.
(٧) ما بين المعقوفتين زيادة مني لتوضيح المعنى.
(٨) ذكره المصنف بمعناه، والحديث رواه البخاري من حديث طويل عن أنس، ولفظه: «وفي سائمة الغنم إذا كانت أربعين شاة شاة» ٢/ ٥٢٨ رقم (١٣٨٦)، كتاب الزكاة - باب زكاة الغنم.
(٩) ينظر: الكاشف لذوي العقول ص ٢٧١، ومختصر منتهى السؤل والأمل في علمي الأصول والجدل ٢/ ٩٤١، =