باب النجاسات
  وقيل: إن أبا طالب يوافق على اعتبار التثليث في تطهير ما لها أثر؛ لأن الماء الأول ينجس بملاقاة عين النجاسة، وينجس الماء الثاني بملاقاة بقية تبقى من الماء الأول(١). وما لم يزل باستعمال الحاد المعتاد عفي عنه للحرج، ولا يجب استعمال الحاد لإزالة أثر المتنجس، وإنما يجب لإزالة عين النجاسة، ولا يجب استعماله حيث بقي من أثر النجاسة ما يعفى عنه، ولا استصحابه في السفر، وإنما يجب منه ما هو معتاد كالصابون ونحوه لا الحواد الخاصة التي لا تكون في الأغلب إلا مع الأغنياء والملوك(٢).
  والقول بوجوب(٣) استعمال الحاد كما ذكر(٤) هو مذهب أكثر العترة وبعض الشافعية(٥)؛ واحتجوا لذلك بأن المقصود بالغسل إزالة أثر النجس، فإذا لم يزل الماء وجب إبلاء العذر باستعمال غيره؛ ولأنه قد ورد عن النبي ÷ ما يدل على ذلك كأمره الغفارية(٦) التي أردفها بجعل الملح في الماء لغسل دم الحيض، وأمره لأخرى بجعل(٧) السدر في الماء لذلك(٨). وذهب أكثر الحنفية(٩)
(١) انظر: ضوء النهار ١/ ١٢٢، والبحر الزخار ١/ ١٨ - ٢٢.
(٢) انظر: البحر الزخار ١/ ١٩ - ٢٠، والتاج المذهب ١/ ٢٢، وشرح الأزهار ١/ ٤٤ - ٤٥.
(٣) في (ج): والقول يوجب.
(٤) في (ب): كما هو مذهب.
(٥) البحر الزخار ١/ ٢٠، والتاج المذهب ١/ ٢٢، وشرح الأزهار ١/ ٤٥، والانتصار ١/ ٥١٢.
(٦) الغفارية: أمية بنت قيس أبي الصلت الغفارية، أسلمت وبايعت بعد الهجرة، وشهدت مع رسول الله ÷ خيبر. انظر: طبقات ابن سعد ٨/ ٢٩٣، وأسد الغابة ٧/ ٢٩ رقم (٦٧٤٧)، والإصابة في تمييز الصحابة ٤/ ٢٤٠ رقم (١٥٣)، ونصه: عن أمية بنت أبي الصلت عن امرأة من بني غفار قد سماها لي، قالت: أردفني رسول الله ÷ على حقيبة رحله، قالت فوالله لم يزل رسول الله ÷ إلى الصبح فأناخ ونزلت عن حقيبة رحله فإذا بها دم مني، فكانت أول حيضة حضتها، قالت: فتقبضت إلى الناقة واستحييت، فلما رأى رسول الله ÷ ما بي ورأى الدم قال «ما لك؟ لعلك نفست» قلت: نعم قال: «فأصلحي من نفسك، ثم خذي إناء من ماء فاطرحي فيه ملحا، ثم اغسلي ما أصاب الحقيبة من الدم ثم عودي لمركبك» قالت: فلما فتح رسول الله ÷ خيبر رضخ لنا من الفيء، قالت وكانت لا تطهر من حيضة إلا جعلت في طهورها ملحا. أخرجه أبو داود في سننه، باب الاغتسال من الحيض ١/ ١٣٦ رقم (٣١٣)، وأحمد بن حنبل في مسنده ٦/ ٣٨٠ رقم (٢٧١٨٠).
(٧) في (ب): أمره الأخرى تجعل، وفي (ج): وأمره الأخرى بجعل.
(٨) أخرجه في سنن أبي داود، باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في حيضها ١/ ١٥٣ رقم (٣٦٣)، وصحيح بن خزيمة، باب استحباب غسل دم الحيض من الثوب بالماء والسدر ١/ ١٤١ رقم (٢٧٧)، وأخرجه في صحيح بن حبان، باب تطهير النجاسة ٤/ ٢٤٠ رقم (١٣٩٥).
(٩) انظر: الهداية ١/ ٤٣، والأوسط في السنن والإجماع والاختلاف ٢/ ١٤٨.