باب المياه
  وأما لفظة "مثل" فإنما يراد به التمثيل لا المشابهة، ولذلك لا يستعمل إلاَّ مضافًا إلى المظهر(١).
  وأما لفظ "ما في حكمه" فلم يقصد بمدلوله المشابهة ولا المماثلة، وإنما يراد به مساواته لغيره في الحكم فقط لا في الذات، فقد يكون بينهما غاية التنافي فيهما، كما في قوله: "على عوض مال أو في حكمه؛ " فإن المنفعة التي في حكم المال بينها وبين المال نهاية التنافي في الذات؛ لأنها أعراض(٢) وأمور اعتبارية(٣)، والمال أجسام وأمور محسوسات، لكن لما قامت مقام المال في صلاحيتها لأن تكون عوضًا للخلع ومنافع البضع وغيرهما، تجوزوا في جعلها في حكم المال. هذا حاصل ما عُلق عن مولانا أيده الله تعالى مع نوع الاختصار(٤).
  وقوله أيده الله تعالى: "طاهر" أي ماء طاهر، فحذف الموصوف؛ للعلم به، وأقام الصفة مقامه، وقد عُرِفَ الماء الطاهر مما سبق، وهو ما عدا الأنواع الأربعة المتقدم ذكرها. أما اشتراط المائية في إزالة النجس؛ فلقوله ÷ في خبر الأعرابي الذي بال في المسجد: «صبوا عليه ذنوبًا من ماء». والذَّنوب: بفتح الذال المعجمة، ثم نون هي: الدلو المملوءة(٥).
  وأما اشتراطه في رفع الحدث؛ فلقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا}(٦) فأوجب التيمم عند فقد الماء، فدل على أنه لا واسطة بينهما.
  واختلف في وجه تعين الماء للتطهر(٧): فقيل: تعبُّدٌ(٨).
  وقيل: بل لمعنى معقول(٩)، وهو أن في الماء(١٠) من الرقة واللطافة ما ليس في غيره، فيمتنع إلحاق غيره به.
(١) في (ب): إلى الأظهر.
(٢) في (ب): لأنها أعواض.
(٣) في (ب، ج): اعتباريان.
(٤) في (ب، ج): مع نوع اختصار.
(٥) انظر: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير ١/ ٢١٠، مادة: ذنب.
(٦) سورة المائدة: ٦.
(٧) في (ب): للتطهير.
(٨) وهو قول العترة، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق بن راهويه، وزفر، وداود، والغزالي، والجويني. انظر: البحر الزخار ١/ ٢٩.
(٩) وهو قول أبي حنيفة، وأبي يوسف. انظر: البحر الزخار ١/ ٢٩.
(١٠) في (ب): أن الماء فيه.