كتاب الطهارة
  وروي عن أبي حنيفة الخلاف في إزالة النجس فقط، وأنه يرى رفعه بالمائع الطاهر [المزيل كالخل(١).
  وأما كونه طاهرًا فلما تقدم من أدلة وجوب مجانبة النجاسات؛ ولأن النجس](٢) لا يطهر النجس، وقد دخل في إطلاق الماء ماء البحر.
  وقد روي الخلاف في صحة التوضؤ به عن ابن عمر، وابن عمرو بن العاص، وابن مسعود(٣)؛ واستدل على صحة ذلك بنحو ما أخرجه الموطأ وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله ÷ فقال: يا رسول الله إنا نركب البحر ومعنا القليل من الماء، فإن توضأنا به عطشنا، أفنتوضأ من ماء البحر؟ قال رسول الله ÷: «هو الطهور ماؤه والحل ميتته»(٤). ويدخل فيه أيضا ما انحل من الثلج والبرد.
  وأما الرشح المتولد من البخار المرتفع من غليان الماء، ففي كونه طهورًا وجهان للشافعية، رجح بعضهم طهوريته؛ لأنه ماء حقيقة؛ لأن الماء ينقص بقدره. وأما ما رشح من مائع غير الماء فليس بطهور اتفاقا بينهم(٥).
  وأما ما لا ينطلق عليه اسم الماء إلاَّ بقيد لازمٍ كماء الورد ونحوه مما يعتصر من الأزهار الرطبة، وكذلك الماء القاطر من أغصان شجر الكرم وغيره، فالأكثر على أنه لا يزيل نجسًا
(١) انظر: البحر الزخار ١/ ٢٩، والمبسوط ١/ ١٠٠.
(٢) ما بين المعقوفتين سقط من (ب).
(٣) وهو أنهم قالوا: إن التيمم أولى من ماء البحر. انظر: البحر الزخار ١/ ٣٠، ومصنف ابن أبي شيبة، باب من كان يكره ماء البحر ويقول: لا يجزئ ١/ ١٢٢ رقم (١٣٩٣) عن عقبة بن صهبان، قال: سمعت ابن عمر يقول: التيمم أحب إليَّ من الوضوء من ماء البحر. وبرقم (١٣٩٤) عن عبد الله بن عمرو قال: ماء البحر لا يجزئ من وضوء ولا جنابة، إن تحت البحر نارًا ثم ماءًا ثم نارًا.
(٤) أخرجه في أصول الأحكام ١/ ١٦ رقم (٤٥)، والشفاء ١/ ١٤١ - باب ما يجوز التطهر به من المياه وما لا يجوز. وأخرجه في الموطأ، كتاب الطهارة - باب الطهور للوضوء ١/ ٢٤ رقم (٥١)، وسنن أبي داود، كتاب الطهارة - باب الوضوء بماء البحر ١/ ٦٤ رقم (٨٣)، وسنن الترمذي، كتاب الطهارة - باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور ١/ ١٠١ رقم (٦٩)، وسنن النسائي، كتاب الطهارة - باب ماء البحر ١/ ٥٠ رقم (٥٩)، وسنن ابن ماجة، كتاب الطهارة وسننها - باب الوضوء بماء البحر ١/ ١٣٦ رقم (٣٨٦)، ومسند أحمد بن حنبل ٥/ ١٦٩ رقم (١٥٠١٦)، وصحيح ابن حبان، باب ذكر البيان بأن كل من قذفه البحر من الميتة أو ما اصطيد منه مما لا يعيش إلا فيه ميتة حلال أكله وإن باينت خلقها خلقة الحوت ١٢/ ٦٢ رقم (٥٢٥٨)، ومستدرك الحاكم، كتاب الطهارة - باب البحر هو الطهور ماؤه الحل ميتة ١/ ١٤١.
(٥) انظر: روضة الطالبين ص ٩.