باب المياه
  واختلف فيما استعمل للتبرد، فالأكثر أنه قراح(١).
  وقال الطحاوي: إنه مستعمل، وأنكره غيره من الحنفية(٢).
  وأما النوع الثاني: وهو في بيان حكمه، ففيه أقوال:
  الأول: أنه طاهر غير مطهر، وهذا تحصيل أبي طالب للمذهب، وقول المؤيد بالله القديم، ورواية لأبي حنيفة، وهو قول محمد، ورواية لمالك وأحد قولي أبي العباس(٣)؛ وحجة هؤلاء أنه لم يلاق نجاسة، وأن الصحابة ¤ كانوا يتبادرون إلى فضل وضوء الرسول ÷ فيتمسحون به(٤)، وإنما كان غير مطهر؛ لأنه زال عنه اسم الماء المطلق، فأشبه ماء الكروم ونحوها.
  قيل: ولأن المعلوم من حال الصحابة في أسفارهم وغزواتهم أنهم كانوا مع شدة حاجتهم إلى الماء للطهارة لم يكونوا يلتمسون ما يتساقط من فضلات الوضوء والغسل، بل كانوا يعدلون إلى التيمم(٥).
  القول الثاني: أنه طاهر مطهر، وهذا للمؤيد بالله أخيرا، والحسن، والثوري، ورواية
(١) انظر: بدائع الصنائع ١/ ٦٩، والمغني ١/ ٢١، والكافي في فقه الإمام المبجل أحمد بن حنبل ١/ ٥.
(٢) مختصر الطحاوي ص ١٦ أي لا يجوز التوضؤ به ولا الاغتسال به. وقد غلَّطه السرخسي في المبسوط ١/ ٥٣ فقال: وهذا غلط منه، إلا أن يكون تأويله إن كان محدثًا فيزول الحدث باستعمال الماء، وإن كان قصده التبرد، فحينئذ يصير مستعملا.
(٣) انظر: التحرير ١/ ٥٨، والانتصار ١/ ٢٨٣، وشرح التجريد ١/ ٦٢، ومختصر اختلاف العلماء ١/ ١٢٩، والهداية شرح بداية المهتدي ١/ ٢٢، وعيون المجالس ١/ ١٦٢، والكافي في الفقه على مذهب أهل المدينة ١/ ٢٥. وهو كذلك مروي عن الشافعي. انظر: المجموع ١/ ٢٠٢. وللحنابلة روايتان في الماء المستعمل: الأولى: يصير طاهرًا. والثانية: أنه طهور، والمذهب هو الرواية الأولى. انظر: الإنصاف ١/ ٣٥ - ٣٧، والمغني ١/ ١٨.
(٤) أخرج البخاري، في كتاب الوضوء - باب استعمال فضل وضوء الناس ١/ ٨٠ رقم (١٥٨) عن الحكم، قال: سمعت أبا جحيفة يقول: خرج علينا رسول الله ÷ بالهاجرة فأتي بوضوء فتوضأ، فجعل الناس يأخذون من فضل وضوئه فيتمسحون به ... الخ، وهو مكرر برقم (٣٦٩، ٤٧٩، ٤٧٣)، وأخرجه مسلم، كتاب الصلاة - باب سترة المصلي ١/ ٣٦١ رقم (٢٥٢)، وابن حبان في صحيحه، باب ذكر إباحة التبرك بوضوء الصالحين من أهل العلم إذا كانوا متبعين لسنن المصطفى ÷ دون أهل البدع منهم ٤/ ٨٢ رقم (١٢٦٨)، والطبراني في المعجم الكبير ٢٢/ ١٢٤ رقم (٣٢٠)، والبيهقي في شعب الإيمان، باب: في تعظيم النبي ÷ وإجلاله وتوقيره ٢/ ٢٠١ رقم (١٥٣٣)، والبيهقي في السنن، باب طهارة الماء المستعمل ١/ ٢٣٥، وفي باب ما يكون سترة المصلي ٢/ ٢٧٠، وأحمد بن حنبل في مسنده ٦/ ٤٥٦ رقم (١٨٧٨٢).
(٥) انظر: أصول الأحكام ١/ ٩.