كتاب الطهارة
  وعن الناصر والغزالي والقاضي زيد أنه يجوز التحري في ذلك(١)، وكذلك لو طلق إحدى زوجاته ثم التبست فإنهن يحرمن عليه جميعا على الصحيح، ولا يجوز التحري على الخلاف المذكور.
  فهذه المسائل المحصورة لا يستصحب فيها الحال في العمل بالعلم متى زال سببه، ولا يقاس عليها غيرها إلا أن يوافقها بعلة معلومة لا مظنونة. هكذا ذكروه.
  وقيل(٢): بل يصح القياس عليها وإن كانت العلة مظنونة؛ لأن القياس ظني(٣).
  وقيل: إن مرادهم بالمعلومة الجلية كقياس ضرب الوالدين على التأفيف بهما في التحريم، وقياس حد العبد على حد الأمة، أو يراد بالمعلومة المنصوص عليها أو المتحقق حصولها في المقيس والمقيس عليه جلية كانت أو خفية، ويحترز عما يعتاده المخرجون وكثير من الفقهاء من إلحاق بعض المسائل ببعض لأدنى ملامحة ومشابهة. قيل: وإنما استصحب الحال في القسم الأول لمسيس الحاجة، بل الضرورة إلى حفظ الأموال وغير ذلك، بخلاف القسم الثاني. والله أعلم.
  نعم: وأما الأضرب الثلاثة التي أشار إليها المؤلف أيده الله تعالى بذكر مراتب الظن: فأولها: ما لا يعمل فيه إلا بالعلم أو بالظن المقارب للعلم، وذلك هو انتقال الشيء عن حكم أصله تحليلا وتحريما في الطهارات(٤) وفي الصوم فطرًا وإمساكا وغير ذلك، وهذا إنما هو على مذهب المؤيد وتخريجه(٥)، ومنه العمل بالشهادة، فإن الحاكم يعمل بشهادة العدل وإن لم يحصل له بشهادته إلا الظن المقارب. وفي هذا تسامح، فإن الحاكم يجب عليه العمل بشهادة العدل وإن لم يحصل له ظن مقارب ولا غالب ما لم يحصل له ظن مقارب بكذبه. والله أعلم.
  الضرب الثاني - من الأضرب الثلاثة المذكورة -: ما يعمل فيه بالعلم أو بالظن المقارب له أو بالظن الغالب، ومثّله أبو مضر بالظن الحاصل عن خبر الثقة، ولعله بنى على الأغلب، وإلا فقد يحصل به المقارب(٦). وهذا الضرب أنواع: منها: الانتقال
(١) ينظر: شرح الأزهار ١/ ٦٩، والبيان الشافي ١/ ٧٤، والوجيز في فقه مذهب الإمام الشافعي ص ٩.
(٢) في (ب): قيل.
(٣) وهو قول الفقيه يحيى بن حسن البحيح. انظر: شرح الأزهار ١/ ٧٠.
(٤) في (ب): في الطهارة.
(٥) انظر: شرح الأزهار ١/ ٦٦.
(٦) انظر: شرح الأزهار ١/ ٦٧.