كتاب الطهارة
  قال في البحر: إنه الأحسن؛ لاستيعابه(١)، وقيل: بل الأول أرجح؛ إذ لا يأمن التنجيس في الثاني، لا سيما مع صغر الأحجار والله أعلم.
  وقوله: "مع استبراءٍ"(٢) معنى الاستبراء أن يفعل ما يحصل به الظن أنه لم يبق في مجرى البول من الذكر ما يخاف خروجه من عصر الذكر وجذبه والتنحنح والمشي بحسب الحال، وقد قيل: بوجوب الاستبراء لظاهر ما ورد في إحدى روايات [حديث] القبرين: «أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول» الحديث.
  والصحيح أنه مندوب فقط، والمراد في الحديث لا يحترز من البول كما هو مفسر به والله أعلم.
  (وإيتار) هو مرفوع عطفا على استجمار، أي ويندب أن يستجمر بوتر من واحد أو ثلاثة أو غيرهما من الأوتار حسب ما يحصل به الإنقاء(٣)؛ لما ورد في جملة حديث أخرجه أبو داود من رواية أبي هريرة: «ومن استجمر فليوتر، ومن فعل فقد أحسن، ومن لا فلا حرج»(٤).
  وعن الشافعي وغيره: لا يجزئ أقل من ثلاثة أحجار وإن حصل الإنقاء بدونها؛ لظاهر الأخبار المتقدمة ونحوها(٥).
  قلنا: جاءت على الأغلب، ويلزمكم أن يكفي للقبل والدبر، وأن لا يكفي بثلاثة أحرف من حجر، وأنتم لا تقولون بذلك(٦)، فإن لم ينق التثليث زاد اتفاقًا، وندب وترا.
(١) انظر البحر الزخار ١/ ٥٠.
(٢) الاسْتِبْراءُ الذي يُذْكَر مع الاسْتِنْجاء في الطَّهارة: وهو أَن يَسْتَفْرِغَ بَقِيَّةَ البول، ويُنَقِّي مَوْضِعَه ومَجْراه حتى يُبْرِئَهما منه أَي يُبِينَه عنهما كما يَبْرَأُ من الدَّين والمَرَض، والاسْتِبْراءُ: اسْتِنقاء الذَّكَر عن البول، واسْتَبْرأَ الذَّكَرَ طَلَبَ بَراءَتَه مِن بَقِيَّةِ بول فيه بتحريكه ونَتْرِه وما أَشبه ذلك حتى يَعْلَم أَنه لم يَبْقَ فيه شيء. انظر: لسان العرب ١/ ٣١، مادة: برأ.
(٣) ينظر: الانتصار ١/ ٥٦١.
(٤) أخرجه أبو داود في السنن ١/ ٣٣ رقم (٣٥)، كتاب الطهارة - باب الاستتار في الخلاء، وابن ماجة ١/ ١٢١ رقم (٣٣٧)، كتاب الطهارة وسننها - باب الارتياد للغائط والبول، وأحمد بن حنبل في مسنده ٣/ ٣٠٤ رقم (٨٨٤٧)، والدارمي في سننه ١/ ١٧٠، باب التستر عند الحاجة، وابن حبان في صحيحه ٤/ ٢٥٧ رقم (١٤١٠)، باب ذكر الأمر بالاستتار لمن أراد البراز عنده، والبيهقي في السنن ١/ ١٠٤، كتاب الطهارة - باب الإيتار في الاستجمار، وشرح معاني الآثار ١/ ١٢٢ رقم (٧٤٢)، كتاب الطهارة - باب الاستجمار، وتلخيص الحبير ١/ ١٠٣، وقال: وهذا إن صح فإنما أراد وترا يكون بعد الثلاث.
(٥) ينظر: الأم ١/ ٩٧، مسألة رقم (٣٤٨)، والمجموع ١/ ١٢٣، وعند أكثر المدنيين: لا يجزئ دون ثلاثة أحجار، وهو اختيار أبي الفرج. انظر: الكافي في فقه أهل المدينة ١/ ٢٧، والانتصار ١/ ٥٦١.
(٦) انظر: البحر الزخار ١/ ٤٩. وعند الشافعية أنه يجوز إذا استنجى بحجر له ثلاثة أحرف؛ لأن القصد عدد المسحات، وقد وجد ذلك. انظر: المهذب ١/ ١١٢.