باب الوضوء
  وعن عائشة قالت: يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب ولا يتوضأ من الكلمة العوراء(١)؟ حكى هذين الأثرين في مهذب الشافعية(٢).
  وحكي في أصول الأحكام أن شيخا من الأنصار كان يمر بمجلس لهم فيقول: أعيدوا الوضوء؛ فإن بعض ما تقولون شر من الحدث(٣).
  وفي مهذب الشافعية عن ابن عباس أنه قال: الحدث حدثان: حدث الفرج، وحدث اللسان، وأشدهما حدث اللسان(٤).
  قلت: وقد دخلت النميمة فيما اقتضته هذه الأخبار والآثار بقياس الأولى، وإن لم يصرح بذكرها، والله أعلم.
  تنبيه: أما الكذب: فهو ا لإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه، سواء طابق اعتقاد المخبر أم لا على الصحيح، لكنه لا ينقض إلا إذا(٥) تعمده المخبر.
  وأما النميمة فقيل: هي أن تسمع من شخص كلامًا يكرهه غيره فترفعه إلى ذلك الغير لإيقاع الشحناء بينهما.
  وقيل: هي إظهار كلام أمرك من أو دعكه بكتمه، وسواء كان يتعلق بالغير أم لا. وفي هذا القول مناسبة للمعنى اللغوي؛ لأنها مشتقة من نم ينم إذا ظهر وارتفع(٦)، ومنه سمي الزجاج نماما؛ لما كان يظهر للناظر ما في باطنه، وما أحسن قول الشاعر(٧) في صديق غير صادق:
= عبد الرزاق، باب الوضوء من الكلام ١/ ١٢٧ رقم (٤٦٩)، والطبراني في المعجم الكبير ٩/ ٢٤٨ رقم (٩٢٢٢)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، باب ترك الوضوء مما مست النار ١/ ٢٥٤: رجاله موثقون. والديلمي في مسند الفردوس بمأثور الخطاب ٥/ ١٧٢ رقم (٧٨٦٢).
(١) أخرجه عبد الرزاق في مصنفه، باب الوضوء من الكلام ١/ ١٢٧ رقم (٤٧٠).
(٢) ينظر: المهذب ١/ ١٠٢. واستدل بهما على أنه يستحب أن يتوضا من الضحك في الصلاة، ومن الكلام القبيح.
(٣) أصول الأحكام ١/ ٤١ رقم (١٣٤)، وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان، فصل فيما ورد من الأخبار في التشديد على من اقترض من عرض أخيه المسلم شيئا بسبب أو غيره ٥/ ٣٠٢ رقم (٦٧٢٥)، ومصنف ابن أبي شيبة ١/ ١٢٥ رقم (١٤٢٧).
(٤) المهذب ١/ ١٠٢، وأخرجه الديلمي في مسند الفردوس بمأثور الخطاب ٢/ ١٦٠ رقم (٢٨١٤).
(٥) في (ب، ج): إلا ما تعمده.
(٦) ينظر: لسان العرب ١٢/ ٥٩٢، مادة: نمم.
(٧) وهو السري بن أحمد بن السري الكندي، شاعر أديب من أهل الموصل (ت: ٣٦٦ هـ). قال هذه الأبيات يعاتب صديقا =