كتاب الطهارة
  الثالث: التفصيل، وهو المذهب(١)، وقد ورد في القهقهة أخبار منها: ما رواه أبو العالية(٢) أن رسول الله ÷ كان يصلي وخلفه أصحابه، فجاء رجل أعمى وثمة بئر على رأسها خصفة(٣)، فتردى فيها، فضحك القوم، فأمر رسول الله ÷ مَنْ ضحك بأن يعيد الوضوء ويعيد الصلاة. حكاه في أصول الأحكام والشفاء(٤)، وبه احتج أبو حنيفة على أن القهقهة في الصلاة تنقض مطلقا(٥)؛ لأن ظاهر الخبر الإطلاق، ولكنه معارض بما حكاه في الشفاء من حديث جابر أن النبي ÷ قال: «الضحك ينقض الصلاة ولا ينقض الوضوء»(٦). ورواه الدارقطني(٧)، فحمل أهل المذهب حديث الأعمى - إن صح - على المتعمد، وحديث جابر على غير المتعمد؛ جمعا بين الأخبار. وفي التلخيص ما لفظه: وروى ابن عدي عن أحمد أنه قال: ليس في الضحك حديث صحيح، وحديث الأعمى الذي وقع في البئر مداره على أبي العالية، وقد اضطرب عليه فيه، انتهى(٨).
  تنبيه: قد أسقط المؤلف أيده الله مما عده في الأزهار من النواقض "التقاء الختانين"(٩)؛ لأنه موجب للغسل، فلا معنى لعده في نواقض الوضوء؛ إذا لا يلتقي الختانان إلا مع تواري الحشفة، وقد علم أن كل ما أوجب الغسل نقض على المذهب(١٠).
(١) وهو أن القهقهة إذا كانت عمدا تنقض الوضوء، وإذا كانت غير متعمدة لا تنقضه. ينظر: الانتصار ١/ ٩٠٥، وشرح التجريد ١/ ١٨١، والبحر الزخار ١/ ٩١، وشرح الأزهار ١/ ١٠١. كما ورد في شرح الأزهار قول للسيد يحيى: أنها تنقض الوضوء إذا كانت في فريضة، أما النافلة إذا قهقه فيها لا تنقض وضوءه.
(٢) أبو العالية: هو رفيع بن مهران الرياحي البصري، مقرئ، وحافظ، ومفسر، أدرك الجاهلية، وأسلم بعد وفاة النبي ÷ توفي سنة ٩٠ هـ، وقيل: ٩٣ هـ، وقيل: ١٠٦ هـ، وقيل: ١١١ هـ. روى له الجماعة. ينظر: تهذيب الكمال ٩/ ٢١٨ رقم (١٩٢٢)، وسير أعلام النبلاء ٤/ ٢٠٧ رقم (٨٥).
(٣) الخصفة: هي الحُلَّة التي يكنز فيها التمر، وهي حلة منسوجة من الخُوص سعف التمر. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر ٢/ ٣٧.
(٤) أصول الأحكام ١/ ٤٦ رقم (١٤٩)، وشفاء الأوام ١/ ٧٨، باب نواقض الوضوء، وأخرجه الدارقطني في سننه، كتاب الطهارة - باب أحاديث القهقهة في الصلاة وعللها ١/ ١٦٧ رقم (٢٤).
(٥) ينظر: كتاب الآثار لمحمد بن الحسن الشيباني ١/ ٤٢١.
(٦) شفاء الأوام ١/ ٧٨، باب نواقض الوضوء.
(٧) سنن الدارقطني، كتاب الطهارة - باب أحاديث القهقهة في الصلاة وعللها ١/ ١٦٧ رقم (٢٤). ينظر: تلخيص الحبير ١/ ١١٥ رقم (١٥٣)، وقال: حديث منكر، وقال في الدراية في أحاديث الهداية ١/ ٣٥: إسناده ضعيف.
(٨) ينظر: تلخيص الحبير ١/ ١١٥، والعلل المتناهية في الأحاديث الواهية ١/ ٣٦٧.
(٩) الأزهار ص ٢٢.
(١٠) ينظر: البحر الزخار ١/ ٩١، وشرح الأزهار ١/ ٨٩.