كتاب الطهارة
  يجزئ التيمم مع إمكان أحدهما على المختار للمذهب(١)؛ والوجه في جميع ذلك أن الصب والدلك واجبان كما مر، فإذا تعذر أحدهما بقي وجوب الآخر، فإذا تعذر الصب وأمكن الانغماس أو المسح(٢) وجبا؛ لأن المقصود من الصب إمساس البدن الماء، فإن تعذر إمساسه إياه بالصب وأمكن بالمسح أو الانغماس(٣) وجب أيضًا؛ لاشتراكهما في علة الوجوب. وقد تقدم قوله ÷: «وإذا أمرتم بأمر فأتوا منه ما استطعتم»(٤). فإن تعذر المسح والانغماس وجب التيمم، وحكم المجتزئ بالصب أو الانغماس أو المسح حكم المغتسل لا حكم المتيمم حتى يزول عذره فيجب عليه إعادة الغسل مستوفيا لأركانه، وسيأتي تحقيق ذلك في باب التيمم، إن شاء الله تعالى.
  قوله أيده الله تعالى: (ويحل الرجل عقد شعر باختيار، وكذا المرأة في الدمين) هذا هو الفرض الرابع من فروض الغسل، وهو حلُّ الشعر المتعقد ليتخلله الماء إلى [البشرة](٥)، ويستوعب كل شعرة لما تقدم من الأدلة على وجوب ذلك. وإنما خص الرجل بذلك لحديث أم سلمة.
  وإنما قيد المؤلف أيده الله تعالى وجوب الحل بكون عقد الشعر وقع باختيار، وهو من زوائد الأثمار؛ لأن المشقة في الأغلب إنما تكون في حلِّ ما انعقد بغير اختيار، فيعفى عن عدم وصول الماء إلى باطنه، ولا يجب قطعه أو نحوه(٦)؛ لما في ذلك من الحرج.
  وأما ما انعقد باختياره أو اختيار غيره كالظفائر فيجب عليه حلّه إذا كان الماء لا يصل إلى باطن الضفائر، ويستوعب شعرها من دون حل، وإن كان يحصل ذلك من دون حلها لم يجب.
  وأما المرأة فلا يجب عليها حل الضفائر في الغسل من الجنابة اتفاقا؛ لما أخرجه أبو داود
(١) ينظر: البحر الزخار ١/ ٨٣، وشرح الأزهار ١/ ١١٦.
(٢) في (ج): والمسح.
(٣) في (ب): والانغماس.
(٤) أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الحج - باب فرض الحج مرة في العمر ص ٥٧٥ رقم (١٣٣٧)، وابن حبان في صحيحه، كتاب ذكر البيان بأن المناهي والأوامر فرض على حسب الطاقة على أمته لا يسعهم التخلف عنها ١٠/ ١٩٨ رقم (١٨)، وأحمد في مسنده ٢/ ٤٢٨ رقم (٩٥١٩). وقد سبق تخريجه ص ٣٨٠.
(٥) في الأصل: البشر.
(٦) في (ج): ونحوه.