تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

كتاب الطهارة

صفحة 517 - الجزء 1

  وأحد قولي الشافعي: إن خشية مجرد الضرر لا يجوز معها التيمم⁣(⁣١)، ذكر ذلك في الغيث.

  وقال فيه أيضا: تنبيه: لو سار إلى الماء من يخاف التلف في الطريق فتوضأ أجزاه؛ لأنه لم يعص بنفس الوضوء، وكذا لو نزل البئر مع خشية التلف. انتهى.

  قلت: والدليل على ما تقدم ذكره من وجوب التيمم وتحريم الوضوء عند خشية التلف باستعمال الماء حديث صاحب الشجة، وهو ما رواه جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه فاحتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على رسول الله أخبرناه⁣(⁣٢) بذلك، فقال: «قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذْ لم يعلموا، فإنما شفاء العِيِّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر - أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده». أخرجه أبو داود⁣(⁣٣)، وفيه دلالة على وجوب العدول إلى التيمم عند خشية التلف في الجملة، وإن كان أهل المذهب لا يقولون بموجبه.

  وأما التيمم لخشية الضرر فدليله قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} الآية⁣(⁣٤)، ولم يفصل بين خشية التلف وخشية الضرر. وأما مجرد التألم من دون خشية ضرر فلا يكفي في جواز العدول إلى التيمم عند الأكثر⁣(⁣٥) خلاف المنصور بالله، ومالك، وداود⁣(⁣٦)؛ لظاهر الآية.

  قلنا: هو معارض بقوله ÷: «لا يقبل الله صلاة من أحدث


(١) وبه قال الحسن البصري، وأحمد بن حنبل، وعطاء. انظر: الانتصار ٢/ ١٤٢.

(٢) في (ب، ج): أُخْبِرَ بذلك.

(٣) أبو داود في السنن ١/ ٢٣٩ رقم (٣٣٦)، كتاب الطهارة - باب في المجروح تيمم، والدار قطني ١/ ١٨٩ رقم (٣)، كتاب الطهارة - باب جواز التيمم لصاحب الجراح، والبيهقي في السنن الكبرى ١/ ٢٢٧ - ٢٢٨، كتاب الطهارة - باب الجرح إذا كان في بعض جسد دون بعض.

(٤) سورة النساء: ٤٣.

(٥) وهم الزيدية، والحنفية، والشافعية، والحنابلة. انظر: البحر الزخار ١/ ١١٥، والانتصار ٢/ ١٣٨، والمهذب ١/ ١٣٤، والهداية ١/ ٢٧، والمغني ١/ ٢٦٢.

(٦) البحر الزخار ١/ ١١٥، والانتصار ٢/ ١٣٩، والمهذب في فتاوى الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة ص ٢٥، وفي شرح الأزهار ١/ ٤٣٢: عن المنصور بالله: جواز التيمم إذا خشي التألم. وأما عن مالك فقد قال مثل قول الأكثر، بل وروي عنه أنه قال: لا يجوز التيمم إلا أن يخشى التلف. انظر: أحكام القرآن للقرطبي مج ٣/ ١٤١، والكافي لابن عبد البر ١/ ٤٥، والمدونة ١/ ١٤٥.