كتاب الطهارة
  وأحد قولي الشافعي: إن خشية مجرد الضرر لا يجوز معها التيمم(١)، ذكر ذلك في الغيث.
  وقال فيه أيضا: تنبيه: لو سار إلى الماء من يخاف التلف في الطريق فتوضأ أجزاه؛ لأنه لم يعص بنفس الوضوء، وكذا لو نزل البئر مع خشية التلف. انتهى.
  قلت: والدليل على ما تقدم ذكره من وجوب التيمم وتحريم الوضوء عند خشية التلف باستعمال الماء حديث صاحب الشجة، وهو ما رواه جابر قال: خرجنا في سفر فأصاب رجلا منا حجر فشجه في رأسه فاحتلم، فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ قالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات، فلما قدمنا على رسول الله أخبرناه(٢) بذلك، فقال: «قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذْ لم يعلموا، فإنما شفاء العِيِّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم ويعصر - أو يعصب على جرحه خرقة ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده». أخرجه أبو داود(٣)، وفيه دلالة على وجوب العدول إلى التيمم عند خشية التلف في الجملة، وإن كان أهل المذهب لا يقولون بموجبه.
  وأما التيمم لخشية الضرر فدليله قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} الآية(٤)، ولم يفصل بين خشية التلف وخشية الضرر. وأما مجرد التألم من دون خشية ضرر فلا يكفي في جواز العدول إلى التيمم عند الأكثر(٥) خلاف المنصور بالله، ومالك، وداود(٦)؛ لظاهر الآية.
  قلنا: هو معارض بقوله ÷: «لا يقبل الله صلاة من أحدث
(١) وبه قال الحسن البصري، وأحمد بن حنبل، وعطاء. انظر: الانتصار ٢/ ١٤٢.
(٢) في (ب، ج): أُخْبِرَ بذلك.
(٣) أبو داود في السنن ١/ ٢٣٩ رقم (٣٣٦)، كتاب الطهارة - باب في المجروح تيمم، والدار قطني ١/ ١٨٩ رقم (٣)، كتاب الطهارة - باب جواز التيمم لصاحب الجراح، والبيهقي في السنن الكبرى ١/ ٢٢٧ - ٢٢٨، كتاب الطهارة - باب الجرح إذا كان في بعض جسد دون بعض.
(٤) سورة النساء: ٤٣.
(٥) وهم الزيدية، والحنفية، والشافعية، والحنابلة. انظر: البحر الزخار ١/ ١١٥، والانتصار ٢/ ١٣٨، والمهذب ١/ ١٣٤، والهداية ١/ ٢٧، والمغني ١/ ٢٦٢.
(٦) البحر الزخار ١/ ١١٥، والانتصار ٢/ ١٣٩، والمهذب في فتاوى الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة ص ٢٥، وفي شرح الأزهار ١/ ٤٣٢: عن المنصور بالله: جواز التيمم إذا خشي التألم. وأما عن مالك فقد قال مثل قول الأكثر، بل وروي عنه أنه قال: لا يجوز التيمم إلا أن يخشى التلف. انظر: أحكام القرآن للقرطبي مج ٣/ ١٤١، والكافي لابن عبد البر ١/ ٤٥، والمدونة ١/ ١٤٥.