كتاب الصلاة
  وما ورد في الصحيحين وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ÷: «لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد»(١)، ونحوه عن عائشة مع زيادة، وفي صحيح مسلم وغيره: «لا تجلسوا على القبور، ولا تصلوا إليها»(٢).
  فأما الصلاة على قبر المسلم والذمي فلا تجزئ قياسًا على تحريم ازدراعها.
  وأما على قبر الحربي فيحتمل الصحة؛ لجواز ازدراعه، ويحتمل عدم الصحة؛ لعموم النهي كما تقدم، والله أعلم.
  قوله أيده الله تعالى: (ومزاحمة نجس) أي وتكره الصلاة حال مزاحمة المصلي لنجس: من جدار مطين بنجس، أو لباس إنسان متنجس، أو غير ذلك.
  والمراد بذلك حيث لا يكون المتنجس حاملًا لشيء من أعضاء المصلي ولا من ملبوسه أو محموله وإلا لم تصح، وأن لا يتحرك بتحركه على الخلاف، وأن يتمكن المصلي من البعد عنه، وإلا فلا كراهة، وهذا هو المصحح للمذهب، خلاف ما خرجه أبو مضر عن الهادي من أن الصلاة لا تصح مع مزاحمة النجس(٣).
  وجه الصحة أن المصلي غير مصل على النجس، ولا فيه ولا متنجس به؛ لأن المفروض أن النجاسة جافة.
  أما إذا كانت رطبة فإنه يتنجس بملامستها فتفسد الصلاة، وذلك ظاهر؛ ووجه الكراهة قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ٥}. ومن لامس النجس فلم يهجره، وأيضًا فقد نصوا على كراهة الصلاة حيث يكون المصلي مستقبلًا للنجاسة، وإن لم يماسها، تنزهًا عنها، فأولى وأحرى إذا ماسها.
  تنبيه: لفظ "مزاحمة" فيه(٤) وجهان: أحدهما: فتح الحاء على أنه مصدر، أي يكره للمصلي أن يزاحم النجس، وهو المراد في الأزهار(٥).
(١) البخاري، كتاب الصلاة - باب الصلاة في البيعة ص ٩٤ رقم (٤٣٥، ٤٣٦)، ومسلم ص ٢٤٨، كتاب المساجد - باب النهي عن بناء المساجد على القبور رقم (٥٢٩)
(٢) صحيح مسلم ٢/ ٦٦٨ رقم (٩٧٣)، كتاب الجنائز - باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه.
(٣) شرح الأزهار ١/ ١٨٧، والبحر الزخار ١/ ٢١٦.
(٤) في (ب، ج): فيها وجهان.
(٥) ينظر: شرح الأزهار ١/ ١٨٧.