تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

كتاب الصلاة

صفحة 56 - الجزء 2

  وعن زيد بن علي، والناصر، وهو أحد قولي الشافعي، ورواية عن الحنفية، بل يجب التحري لاستقبال عين الكعبة؛ لقوله تعالى: {شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}⁣(⁣١) وكالمعاين⁣(⁣٢).

  وردوا ما ذكر من الإلزام بأنه مع طول مسافة البعد تحصل المسامتة والاستقبال لجميع الصف وإن طال جدًّا؛ إذ الحرم الصغير كلما ازداد القوم عنه بعدًا ازدادوا له محاذاة، كما في غرض الرماة⁣(⁣٣) والنار الموقدة بمكان بعيد، وإنما يكون الزائد على مقدار عرض الكعبة غير مسامت لها [إذا كان]⁣(⁣٤) بقربها، ولهذا يستدير بعض الصف الطويل بقربها.

  قال في الغيث: والأقرب عندي أن ثمرة الخلاف تظهر في القدر الواجب من التحري، فمن يقول: المطلوب العين، تشدد فيه أكثر ممن يقول: المطلوب الجهة، ومعنى التشديد: هو أن لا يجتزي⁣(⁣٥) من تحريه توجهه إلى بين المشرق والمغرب، بل لا يزال يقسم تلك الجهة حتى يغلب في ظنه أن ما توجه إليه هو أقرب الجهات إلى مسامتة الكعبة. انتهى.

  قلت: وهو أجود ما قيل في ثمرة الخلاف، ولكن اتفاقهم على اعتماد الأمارات المتقدم ذكرها لا يلائم ذلك؛ لأن ظاهر كلام القائلين بأن المطلوب العين أنه يحصل باعتماد تلك الأمارات الظن لاستقبال عين الكعبة كما يفهم [ذلك]⁣(⁣٦) [من ردهم الإلزام المتقدم، والقائلون بأن المطلوب الجهة يقولون: لا يحصل بذلك]⁣(⁣٧) إلا ظن استقبال الجهة، ومع ذلك فلا يكتفون في التحري بالتوجه إلى ما بين المشرق والمغرب، ولو اكتفوا بذلك لما اعتمدوا على ما ذكر من الأمارات. والله أعلم.


= الفرض إصابة العين لما صحت صلاة الصف الطويل على خط مستوِ، ولا صلاة اثنين متباعدين يستقبلان قبلة واحدة؛ فإنه لا يجوز أن يتوجه إلى الكعبة مع طول الصف إلا بقدرها.

(١) سورة البقرة: ١٤٤.

(٢) الانتصار ٢/ ٨٠١، وبدائع الصنائع ١/ ١١٨، وروضة الطالبين ص ١٠٠، وشرح الأزهار ٢/ ١٩٢، والبيان الشافي ١/ ٢١٣.

(٣) الغرض: الهدف الذي يُرْمَى فيه. مختار الصحاح ص ٢٥٩.

(٤) ما بين المعقوفتين زيادة من (ب، ج).

(٥) في (الأصل، ج): لا يجزي من تحريه.

(٦) ما بين المعقوفتين ساقط من (الأصل).

(٧) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).