كتاب الصلاة
  من مائة ألف(١) صلاة فيما سواه». رواه أحمد وابن ماجة(٢)، قيل: بإسنادين صحيحين(٣). وقد تضمنت هذه الأخبار الدلالة على أفضلية مسجد المدينة أيضا.
  قلت: وحديث ابن الزبير هاهنا يصلح جوابًا على ما أورد من السؤال على قوله ÷: «وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه» هل يدخل مسجد النبي ÷ في ذلك؟ فتكون صلاة واحدة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف ألف صلاة في غير مسجد النبي ÷ أو لا يدخل؟ فيكون كسائر المساجد، فحديث ابن الزبير دليل واضح على صحة الاحتمال الثاني، كما لا يخفى، على أنه يمكن أن يكون الضمير راجعا إلى مسجد المدينة في قوله: أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه، فيندفع السؤال ويرتفع الإشكال(٤).
  وإنما عدل المؤلف أيده الله عن قوله في الأزهار: "وأفضلها المسجد الحرام ... إلى قوله: مسجد مكة"(٥) اختيارا منه لما(٦) لحظ إليه جده المهدي في البحر في تفسير المسجد الحرام، حيث قال بعد حكاية ذكر الخلاف فيه قلت: ولو قيل إنه المسجد لصح إن لم يمنع منه إجماع. وقد حكي عن أبي هاشم(٧). انتهى.
  وحكى الإمام يحيى عن العترة أن المسجد الحرام هو الكعبة وما حولها إلى المواقيت؛ لقوله تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}(٨). وعن بعض الفقهاء أنه الكعبة وما حولها إلى حدود الحرم المحرم(٩)؛ لقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى}(١٠) وقد روي أنه أسري به من بيت خديجة(١١) أو من بيت أم هانئ(١٢).
  قلت: و [الذي](١٣) في الصحيحين أنه أسري من الحجر(١٤)، وفي سيرة البحر(١٥): من بين زمزم والمقام، والله أعلم(١٦).
(١) في (ج): ألف مائة.
(٢) أحمد ٥/ ١٠٨ رقم (١٤٧٠٠)، وص ٢١٤ رقم (١٥٢٧١)، وابن ماجة ١/ ٤٥١ رقم (١٤٠٦)، كتاب إقامة الصلاة والسنة - باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي، وفي الزوائد: إسناد حديث جابر صحيح، ورجاله ثقات.
(٣) ابن ماجة ١/ ١٤٥١ رقم (١٤٠٥) عن ابن عمر، كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها - باب ما جاء في فضل الصلاة في المسجد الحرام ومسجد النبي.
(٤) فتح الباري ٣/ ٦٦.
(٥) لفظ الأزهار ص ٣٢: وأفضل أمكنتها المساجد، وأفضلها المسجد الحرام، ثم مسجد رسول الله ÷، ثم مسجد بيت المقدس.
(٦) في (ب، ج): إلى ما لحظ.
(٧) البحر الزخار ١/ ٢٢٠.
(٨) سورة البقرة: ١٩٦.
(٩) البحر الزخار ١/ ٢١٩، والانتصار ٣/ ٦٨.
(١٠) سورة الإسراء: ١.
(١١) لم أقف على من ذكر أنه أسري به من بيت خديجة.
(١٢) سيرة ابن هشام ٣/ ٦٦.
(١٣) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب، ج).
(١٤) البخاري ٣/ ١٤١٠ رقم ٣٦٧٤، كتاب فضائل الصحابة - باب المعراج، ومسلم ١/ ١٤٧ رقم ١٦٢، ١٦٣، كتاب الإيمان - باب الإسراء برسول الله ÷ إلى السماوات.
(١٥) مقدمة البحر الزخار، كتاب الجواهر والدرر في سيرة سيد البشر ص ٤٣٠.
(١٦) مقدمة البحر الزخار ١/ ٢٢١.