كتاب الصلاة
  فالمذهب ما ذكره في الأزهار والأثمار وغيرهما من أنه يجوز للمرض ونحوه: وهو السفر، والخوف، والمعتبر في المرض هنا حصول ألم في الجسم يشق معه التوقيت، سواء سمي مرضًا مطلقا، كالحمى ونحوها، أم لم يسم إلا مقيدًا، كالرمد، وألم الأسنان، والجراحات المؤلمة، وأما ما لا يسمى مرضا، كالإعياء من المشي أو العمل، فلا يسوغ الجمع لأجله؛ إذ لم يرد الترخيص إلا للمرض(١)، وإنما ساغ الجمع لمجرد المرض ولم يسعْ له التيمم؛ لأن علة جواز التيمم خشية ضرر الوضوء، فاعتبر فيه ما تقدم في بابه، وعلة الجمع للمرض: حصول المشقة فقط، قياسا على السفر؛ لأن مشقة التوقيت في السفر أهون من مشقته مع الألم.
  وأما السفر فالمعتبر منه ما جاز معه الإفطار، فيجوز على ظاهر المذهب الجمع ولو في سفر المعصية؛ قياسا على الإفطار، وإليه ذهب أبو حنيفة(٢).
  وعند الشافعي، وهو قول لأبي طالب، أن سفر المعصية لا يسوغ لأجله الجمع(٣)، واختلف في الأفضل: فقال الإمام يحيى، والمطهر بن يحيى، والسيد يحيى: إن الجمع أفضل(٤)؛ لأنه السنة، ومثله في مهذب الشافعية(٥).
  وذكر الأمير الحسين ومتأخرو المذاكرين(٦) أن الجمع رخصة، والتوقيت أفضل(٧)، واتفقوا على أن الأفضل للنازل أن يصلي أول الوقت، وللسائر(٨) آخره؛ لحديث معاذ قال: كان رسول الله ÷ في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل جمع بين الظهر والعصر، فإن رحل قبل أن تزيغ(٩) الشمس
(١) في (ج): للمريض.
(٢) التحرير ١/ ١١٢، والبحر الرائق ١/ ٢١٦، واللباب في شرح الكتاب ١/ ١٠٩، ذهب الحنفية إلى أن العاصي في السفر والمطيع سواء في الرخصة التي تنتج عن السفر. وأما الجمع فإن الحنفية لا يحوزونه بأي حال وبأي سبب.
(٣) المهذب ١/ ٣٣٧، وحلية العلماء ٢/ ٢٢٤، وشرح الأزهار ١/ ٢١٤، وشفاء الأوام ١/ ٢١١.
(٤) شرح الأزهار ١/ ٤١٥، والبيان الشافي ١/ ١٧٦.
(٥) لم يتعرض لفضل الجمع، ولكن فضل القصر في السفر؛ والظاهر أنه اشتبه عليه الجمع والقصر، والمهذب ١/ ٣٣٦، وأما الجمع فقد قال في روضة الطالبين ص ١٧٩: إن ترك الجمع أفضل بلا خلاف.
(٦) في (ب، ج): ومتأخرو المذاكرون، بالرفع، وهو خطأ.
(٧) المراجع السابقة، وشفاء الأوام ١/ ٢٠٤.
(٨) في (ب، ج): والسائر آخره.
(٩) في (ب، ج): قبل أن ترتفع الشمس.