كتاب الصلاة
  واختلف في حكم الأذان والإقامة: فظاهر المذهب، وهو قول بعض الشافعية، أنهما كليهما فرضا كفاية على الرجال المجتمعين والمنفرد(١). وعن القاسم، وأبو العباس، والمنصور بالله: فرض على الجماعة، وفضل على المنفرد(٢). وعن أبي حنيفة، والشافعي، ورواية عن زيد بن علي، والناصر، أنهما سنة لا فرض(٣). وعن أبي طالب: الأذان فرض كفاية، والإقامة سنة(٤). وعن الأوزاعي: أن الأذان سنة والإقامة واجبة(٥).
  واستدل أهل المذهب على الوجوب بقوله تعالى: {إِذَا نُودِيَ}(٦) الآية، فَشَرَطَهُ في السعي إلى الصلاة، وما لا يتم الواجب إلا به يجب(٧) كوجوبه، كذا ذكروه.
  ومن السنة أخبار كثيرة: منها: حديث مالك بن الحويرث(٨) قال: أتيت النبي ÷ أنا وصاحب لي، فقال لنا: (إذا حضرت الصلاة فأذنا، ثم أقيما، وليؤمكما أكبركما). هذه إحدى روايات مسلم(٩).
  واستدلوا على أنه فرض كفاية، بإنه ذِكْرٌ يتضمن التكبير لا ركوع فيه، فكان كفاية كصلاة الجنازة، كذا في البحر(١٠).
  قلت: ولأنه لم يؤثر عن النبي ÷ أنه كان يأمر كل واحد من المصلين معه بفعل الأذان، بل كان يكتفى(١١) بأذان مؤذنه. والله أعلم. والإقامة كذلك.
(١) وبه قال أحمد، وداود. ينظر: شفاء الأوام ١/ ٢٤٧، والانتصار ٢/ ٦٩٤، والإنصاف ١/ ٤٠٧، والمجموع ٣/ ٨٩.
(٢) التذكرة الفاخرة ص ٩٥، والمهذب في فتاوى الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة ص ٣٩.
(٣) المهذب ١/ ١٩٦، والبحر الرائق ١/ ٥٠٩، والبيان الشافي ١/ ٢١٨.
(٤) التذكرة الفاخرة ص ٩٥.
(٥) مختصر اختلاف العلماء ١/ ١٩٠، وحلية العلماء ٢/ ٣٦.
(٦) سورة الجمعة: ٩.
(٧) في (ب، ج): وجب كوجوبه.
(٨) مالك بن الحويرث: من أهل البصرة، اختلف في اسمه، قدم على النبي ÷ في فتية من قومه، وأمرهم بتعليم قومهم إذا رجعوا إليهم، توفي في البصرة سنة (٩٤ هـ). الاستيعاب ٣/ ٤٠٥، وأسد الغابة ٥/ ١٨.
(٩) البخاري ٢/ ١٣٠ رقم (٦٢٨)، كتاب الأذان - باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد، ومسلم ٢/ ٦١٢ رقم (٩٧٤)، كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب من أحق بالإمامة، وأبو داود ١/ ٣٩٦ رقم (٥٨٩)، كتاب الصلاة - باب من أحق بالإمامة، والترمذي ١/ ٣٩٩ رقم (٢٠٥)، كتاب الصلاة - باب ما جاء في الأذان في السفر، والنسائي ٢/ ٩ رقم (٦٣٤)، كتاب الأذان - باب أذان المنفردين في السفر، وفي بعضها بلفظ: «إذا سافرتما».
(١٠) البحر الزخار ١/ ١٧١.
(١١) في (الأصل): يكفي.