كتاب الصلاة
  فإن قلت: هلا كان القيام واجبا؟ لقوله ÷ لبلال: (قم فأذن)(١).
  قلت: الأقرب أنه فهم من قصده بالأمر بالقيام أن يأتي الموضع الذي يؤذن فيه، ثم قلنا: أو كان غير مستقبل للقبلة فإن أذانه يصح؛ لحصول المقصود، وفيه خلاف الجويني(٢).
  وفي شرح الإبانة: إذا تعمده في التكبير والشهادتين أعاد. انتهى بلفظه.
  قوله أيده الله تعالى: (ويقلد بصير أذن عن علم) أي ويجوز أن يقلد المؤذن البصير بمعرفة الأوقات في أن الوقت قد دخل، وإنما يجوز تقليده في ذلك في الغيم حيث أخبر أنه أذن عن علم بدخول الوقت لا بتحر، فلا يقلد حينئذ، بل يتحرى كل مصل لنفسه، وإنما عدل عن قوله في الأزهار: "في الصحو"(٣) إلى قوله: "عن علم"؛ ليدخل فيه ما [إذا](٤) أذن في الغيم عن علم؛ فإنه يجوز تقليده كما ذكره في الياقوتة، وعن المنصور بالله والقاضي زيد أنه لا يقلد في الغيم(٥).
  وإنما يجوز تقليد المؤذن البصير العدل إذا كان موافقا في المذهب في الأوقات، أو أذن(٦) في وقت مجمع عليه، أو كان مذهبه التأخير، ولا يجوز للمؤذن في الغيم بالتحري أن يجهر إذا عرف أن أحدًا يقلده، كما لا يجوز له ذلك إذا خاف اللبس، كما مر، وإنما جاز تقليد المؤذن في الصحو، مع إمكان العلم بدخول الوقت، بخلاف سائر الأحكام الشرعية؛ لدليل خاص، وهو الإجماع(٧)، والله أعلم.
(١) جزء من حديث أخرجه البخاري ١/ ٢١٤ رقم (٥٧٠)، كتاب مواقيت الصلاة - باب الأذان بعد ذهاب الوقت، وعن أبي قتادة، قال: سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ ÷ لَيْلَةً، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلاةِ»، فَقَالَ بِلالٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ، فَاضْطَجَعُوا، وَأَسْنَدَ بِلالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ، فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ، فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ ÷، وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: «يَا بِلالُ أَيْنَ مَا قُلْتَ»؟ قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ، قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ، يَا بِلالُ، قُمْ فَأَذِّنْ للنَّاسِ بِالصَّلاةِ فَتَوَضَّأَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ، قَامَ فَصَلَّى.
(٢) ينظر: المجموع ٣/ ١١٤.
(٣) في الأزهار ص ٣٥: ويقلد البصير في الوقت في الصحو.
(٤) ما بين المعقوفتين ساقط من (ب).
(٥) وبه قال الحسن بن محمد النحوي. ينظر: المهذب في فتاوى الإمام المنصور ص ٣٩، والتذكرة الفاخرة ص ٩٦.
(٦) في (ب): أو أذان.
(٧) انظر: المجموع للنووي ٣/ ٧٩، وشرح الأزهار ١/ ٢٢٠.