[شرح خطبة الأثمار]
  عند الشدائد، فأصله عنده وِلاهٌ، فأبدلت الواو المكسورة همزة كقوله: إشاح في وشاح، [والقول الأول أقرب](١). والله أعلم.
  ويعلم مما سبق أن الله ليس بِعَلَم للباري ø(٢)؛ لأن الأعلام [لا تدل](٣) على معنى، وإنما هي ألقابٌ يقصد بها تمييز مسماها عن غيره، فهي للغائب بمنزلة الإشارة الحسية في الحاضر، والباري ø متميز بصفاته التي لا مشارك له فيها، ولا يجوز أن يجري عليه من الألفاظ إلاَّ ما أفاد معنى يصح إطلاقه عليه.
  وذهب كثيرون إلى أنه عَلَمٌ لربنا جل ذكره(٤)؛ واحتجوا على ذلك بأنه لو لم يكن علمًا له لم يكن قولنا: لا إله إلاَّ الله توحيدًا؛ إذ هو بمنزلة قول القائل: لا إله إلا الإله، ولا يقال بأن التعريف في «الإله» المستثنى للعهد، فيصح كون ذلك توحيدًا؛ لأنهم لا يسلِّمون توقف كونه توحيدًا على اعتبار عهدٍ.
  قالوا: وأيضا فالمراد بـ «الإله» في كلمة التوحيد: إما المعبود بالحق، فيلزم استثناء الشيء من نفسه، فكأنه قيل: لا معبود بالحق إلا المعبود بالحق، أو يراد به مطلق المعبود بحق أو باطل، فكأنه قيل: لا معبود إلا المعبود بالحق، فيلزم الكذب؛ لكثرة المعبودات بالباطل، فيجب أن يكون إله بمعنى المعبود بحق؛ والله: علم لربنا عز وعلا؛ حتى يكون توحيدًا.
  وذكر بعض العلماء(٥) المحققين أن الذي منع منه أهل القول الأول هو أن يكون علمًا بالوضع؛ إذ هو الذي يلزم منه ما ذكر(٦).
  وأما كونه صار علماً له تعالى بالغلبة مع ملاحظة أصل معناه فلا وجه للمنع من ذلك، والله أعلم.
= بن الجوزي (ت: ٥٩٧ هـ) - المكتب الإسلامي - ط ٤ (١٤٠٧ هـ/١٩٨٧ م) ١/ ٩.
(١) في (ش): والصحيح الأول؛ إذ لم يسمع ولاه، كما يسمع وشاح.
(٢) في (ش) زيادة: كما يقوله بعض الناس. ينظر: مفتاح السعادة، للعلامة علي بن محمد العجري (ت: ١٤٠٧ هـ)، تحقيق: عبد الله حمود العزي - مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية - ط ١ (١٤٢٤ هـ/٢٠٠٣ م) ١/ ٣٣٩.
(٣) في (ش): لا تفيد.
(٤) تفسير مفاتيح الغيب للرازي ١/ ١٦٢، حيث قال: والمختار عندنا أن هذا اللفظ اسم علم، وهو قول الخليل، وسيبويه، وأكثر الأصوليين، والفقهاء.
(٥) سقط من (ج، ش) كلمة: العلماء. قلت: هو العلامة عبد الله بن محمد النجري في شرح القلائد (خ). وينظر: مفتاح السعادة ١/ ٣٤٣.
(٦) وقال النجري: وبه صرح كثير من أهل العربية؛ فالخلاف يعود إلى الوفاق. ينظر: المراجع السابقة.