تفتيح القلوب والأبصار إلى اقتطاف أثمار الأزهار،

محمد بن يحيى بهران (المتوفى: 957 هـ)

[شرح خطبة الأثمار]

صفحة 93 - الجزء 1

  وأما الرحمن الرحيم [فصفتان مشتقتان]⁣(⁣١) من الرحمة، وكلاهما في حق الباري ø مجاز عن إنعامه على عباده؛ لأن الملك إذا عطف على رعيته ورقَّ لهم أنعم عليهم، وأحسن إليهم.

  قال الزمخشري⁣(⁣٢): وفي «الرحمن» من المبالغة ما ليس في «الرحيم» ولذلك قالوا: [رحمان الدنيا والآخرة]⁣(⁣٣)، ويقولون: إن الزيادة في المبنى تدل على الزيادة في المعنى⁣(⁣٤).

  قال: فإن قلت: فلم قدم ما هو أبلغ من الوصفين على ما هو دونه، والقياس الترقي من الأدنى إلى الأعلى، كقولهم: فلان عالم نحرير، وشجاع باسل، وجواد فياض؟

  قلت: لما قال «الرحمن» فتناول جلائل النعم وعظائمها وأصولها - أردفه «الرحيم» كالتتمة والرديف؛ ليتناول ما دق منها ولطف. انتهى كلامه⁣(⁣٥).

  وذكر غيره أن الوصف بـ «الرحيم» أبلغ من الوصف بـ «الرحمن»؛ لأن فعيلا من أبنية المبالغة كعليم وقدير، ولم يعد منها فَعْلاَن، وعلى هذا فالآية واردة على القياس في الترقي⁣(⁣٦). والله أعلم.

  والرحمن: من الصفات الغالبة، لم يوصف به غير الباري ø، كما أن "الله" من الأسماء الغالبة لم يسم به غيره. ولا اعتداد بما روي من تحامق أهل اليمامة في إطلاقهم إياه مُنَكَّرًا على مسيلمة الكذاب. وأما الرحيم: فلا مقال في جواز إطلاقه على غير الباري تعالى معرَّفًا ومنكَّرا.


(١) في (ج): فصفات مشتقات.

(٢) هو أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري الخوارزمي، ولد سنة ٤٦٧ هـ، كان شديد الذكاء، متوقد الذهن، إماما كبيرا في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان، والفقه والأصول، معتزلي المذهب، مجاهرا بذلك، وشهرته تغني عن الإطناب بذكره، توفي سنة ٥٣٨ هـ، وترك تصانيف كثيرة في شتى الفنون، وله: الكشاف في تفسير القرآن، وأساس البلاغة، والفائق في غريب الحديث، والإنموذج في النحو، والمفصل والقسطاس في العروض، وله ديوان شعر، وغيرها. ينظر الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية، تأليف أبي محمد عبد القادر بن محمد القرشي - مؤسسة الرسالة - (١٤١٣ هـ/١٩٩٣ م). ٣/ ٤٤٧، الأعلام ٢/ ٨١، والزمخشري لغويا ومفسرا.

(٣) في (ش، ج) زيادة: ورحيم الآخرة. وفي الكشاف ١/ ٦: رحيم الدنيا.

(٤) في (ب، ج، ش): الزيادة في البناء لزيادة المعنى.

(٥) الكشاف ١/ ٨.

(٦) ينظر: حاشية الشهاب المسمى عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسير البيضاوي، تأليف: أحمد بن محمد بن عمر الخفاجي المصري الحنفي - دار صادر - بدون تاريخ. ١/ ٦٨.