باب صلاة الجمعة
  والأقرب أن مرادهم بكمال الخطبتين كمال القدر الواجب من الخطبتين في حق الإمام والمؤتم، لا ما زاد على ذلك. والله أعلم.
  قوله أيده الله تعالى: (ويجوز أن يصلي غيره) قيل: إما للعذر؛ فذلك إجماع، وإما لغير عذر، فذلك هو المذهب(١)؛ ووجهه: أن الخطبة ذكر يتقدم الصلاة، فصار كالأذان والإقامة، فكما يجوز أن يكون فاعلهما غير فاعل الصلاة، فكذلك هنا. وعن الناصر أن ذلك لا يجوز؛ لما تقدم من أنهما بمنزلة ركعتين(٢). قلنا: مجاز كما تقدم. والله أعلم.
فصل: [القدر المعتبر سماعه من الخطبة]
  (والمعتبر استماع قدر آية من الخطبة) أما كون المعتبر في حق المأموم هو الاستماع، أي الحضور والإنصات، وإن لم يسمع الخطبة، ولا شيئًا منها؛ لصمم أو بعد أو كثرة أصوات؛ فلأن النبي ÷ إنما أمر بالاستماع والإنصات؛ وبدليل إجزاء الحضور من الأصم، لكنه يأثم مع عدم العذر؛ لما أخرجه أبو داود عن سمرة بن جندب أن رسول الله ÷ قال: «احضروا الذكر، وادنوا من الإمام، فإن الرجل لا يزال يتباعد حتى يؤخر في الجنة، وإن دخلها»(٣).
  قال في الغيث: وهذا حيث كان قد سمع من تجزي بهم، يعني وإلا لم تصح الجمعة بفوات المقصود بالخطبة، وهو إسماع الحاضرين(٤).
  وقيل: لا يشترط ذلك، كما لو كانوا كلهم صُمًّا.
  وأما كون المعتبر قدر آية مما يعتاد في الخطب ولو من الدعاء؛ فلأن الخطبتين بمنزلة ركن واحد، وإدراك بعض الركن كاف. والآية أقل ما يقصد استماعه.
  وأما من لم يدرك ذلك القدر من الخطبة فلا تصح منه الجمعة، بل يتمها ظهرًا، ويبني على ما أدركه مع الإمام(٥)، ويتحمل عنه الإمام ما سمعه من قراءته.
(١) الانتصار ٤/ ٩٩، وشرح الأزهار ١/ ٣٥٤، والتذكرة الفاخرة ص ١٢٨، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وأحد قولي الشافعي. المبسوط ٢/ ٢٩، والحاوي ٣/ ٢٨.
(٢) لم أجده عن الناصر، والذي في البحر ٢/ ١٨، والانتصار ٤/ ٩٩ أنه أحد قولي الشافعي.
(٣) سنن أبي داود ص ١٩٥ رقم (١١٠٤)، وصححه الحاكم في المستدرك ١/ ٤٢٧ رقم (١٠٦٨).
(٤) شرح الأزهار ١/ ٣٥٧، والبحر الزخار ٢/ ١٧.
(٥) المنتخب ص ٧٠، وأصول الأحكام ١/ ١٨٠، وشفاء الأوام ١/ ١٨٠، وبه قال عطاء، وطاووس. ينظر: المحلى لابن حزم ٣/ ٢٨٣، وابن أبي شيبة ١/ ٤٦٠.