كتاب الصلاة
  حجتنا أنه ÷ أنكر على عبد الله بن رواحة لما تخلف في(١) غزاة مؤتة للجمعة، وقال: «لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها»(٢). ولفظه في ما رواه أحمد والترمذي: «لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما أدركت فضل غزوتهم». حكاه في التلخيص.
  قال أهل المذهب: إلا من عدا المريض الذي لا يتضرر بالوقوف، ومن عذره المطر من سائر المعذورين الذين تقدم ذكرهم، فإنه يجوز لهم الانصراف ولو بعد حضور الخطبة، وهم الذين احترزوا عنهم بقولهم: "غالبا".
  قالوا: وأما المريض الذي لا يتضرر بالوقوف، ومن عذره المطر، فلا يجوز لهما(٣) الانصراف بعد الحضور؛ إذ لا حرج(٤).
  وضعف المؤلف هذه الرواية عن أهل المذهب. ورجح أنه لا يجوز لأحد أن ينصرف بعد حضور الخطبة إلاَّ المريض الذي يتضرر بالوقوف، أو من عرض له ما هو أهم من الصلاة، ويخشى فوته بها.
  وتعبيره بالانصراف أولى من تعبير الأزهار بالترك(٥)؛ لإيهامها جواز الترك لمن يحضر(٦) وإن لم يكن معذورًا، وإن كان قد رفع هذا الإيمام بما تقدم أول الباب من بيان من يحتم عليه، ومن هي له رخصة، وعبارة الأثمار سالمة من ذلك الإيهام؛ إذ لا معنى للانصراف ممن لم يحضر. والله أعلم، والدليل على عدم جواز الانصراف بعد الحضور أنه واجب قد شَرَعَ فيه، فلا يجوز أن يتخلله غيره، كما في الصلاة؛ إذ الخطبة قائمة مقام ركعتين. والله أعلم.
  قوله أيده الله تعالى: (ومتى أقيم جمعتان في دون ميل أعيدت إن جهل ترتيب) المراد أنه لا
(١) في (ب): عن غزاة.
(٢) أحمد في مسنده ١/ ٢٥٦ رقم (٢٣١٧)، وسنن الترمذي ص ٣٨٧ رقم (١٦٤٩)، كتاب أبواب فضائل الجهاد - باب في الغدو والرواح في سبيل الله، وتلخيص الحبير ٤/ ٨٧ رقم (١٨١٩)، كتاب السير - باب وجوب الجهاد.
(٣) في (ب): لهم.
(٤) الانتصار ٤/ ٢٣، والتذكرة الفاخرة ص ١٢٧، والبحر الزخار ٢/ ٥، وشرح الأزهار ١/ ٣٥٧.
(٥) عبارة الأزهار ص ٥٠: وليس لمن حضر الخطبة تركها إلا المعذورين غالبا.
(٦) في (ب، ج): لمن لم يحضر.