كتاب الصلاة
  واختلفت الروايات عن الشافعي، [ومالك](١) في تقدير مسافة القصر: قيل: ومرجعها إلى أربعة برد(٢)؛ لرواية ذلك عن ابن عباس؛ إذ سئل أتقصر الصلاة إلى عرفة؟ قال: لا، ولكن إلى عُسفان وإلى جُدّة وإلى الطائف وذلك أربعة برد(٣).
  وعن داود ما يسمى معه مسافرًا عرفًا(٤). وعن الأوزاعي: مرحلة(٥).
  قلنا: خبر الثلاث لم يصرح فيه بعدم القصر فيما دونها، وعمل ابن عباس ليس بحجة، وقول داود والأوزاعي راجع إلى ما قلناه. والله أعلم.
  مسألة: ولا فرق عندنا بين سفر الطاعة والمعصية(٦)، كما هو ظاهر إطلاق المختصر؛ إذ لم يفصل الدليل.
  وقال الناصر، والشافعي: لا ترخيص في سفر المعصية(٧). لنا: ما تقدم.
  وقوله: "مجاوز ميل بلده"، معناه أنه لا يجب القصر ولا يجوز على المذهب حتى يجاوز
(١) ما بين المعقوفتين زيادة من (ج).
(٢) ينظر: الحاوي ٢/ ٤٥١.
(٣) رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ الرَّسُولِ ÷ أَنَّهُ قَالَ: «يَا أَهْلَ مَكَّةَ لأ تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ إلَى الطَّائِفِ». أخرجه البيهقي في سننه ٣/ ١٣٧، كتاب الصلاة - باب السفر التي تقصر في مثله الصلاة، والدار قطني في سننه ١/ ٣٨٧ رقم (١)، كتاب الصلاة - باب قدر المسافة التي تقصر في مثلها صلاة وقدر المدة، وابن أبي شيبة في المصنف ٢/ ٢٠٢ رقم (٨١٤٠)، وعبد الرزاق ٢/ ٥٢٤ رقم (٤٢٩٧)، والْمُوَطَّأُ ١/ ١٢٥، كتاب الصلاة - بَاب مَا يَجِبُ فِيهِ قَصْرُ الصَّلاةِ. قال الشوكاني في نيل الأوطار ٣/ ٢٥١: وأما حديث ابن عباس عند الطبراني أنه ÷ قال: «يا أهل مكة لا تقصروا في أقل من أربعة برد من مكة إلى عسفان» فليس مما تقوم به حجة؛ لأن في إسناده عبد الوهاب بن مجاهد بن جبير وهو متروك، وقد نسبه النووي إلى الكذب. وقال الأزدي: لا تحل الرواية عنه، والراوي عنه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف في الحجازيين، وعبد الوهاب المذكور حجازي؛ والصحيح أنه موقوف على ابن عباس ... الخ. اهـ.
(٤) ينظر: المحلّى بالآثار ٣/ ٢١٣، وقال فيه: لم يجز لنا أن نوقع اسم سفر وحكم سفر إلا على من سماه من هو حجة في اللغة سفرا فلم نجد ذلك في أقل من ميل.
(٥) ويقصد بالمرحلة اليوم. ينظر: المجموع ٤/ ٢١٢، الأوسط ٤/ ٣٥١، قال ابن المنذر: وبه نأخذ. أ هـ
(٦) كما هو قول القاسم، والهادي وأبي حنيفة، والأوزاعي، والمزني، والثوري. ينظر: البحر الزخار ٢/ ٤٢ والأحكام في الحلال والحرام ١/ ١٢٥، وشفاء الأوام ١/ ٤١٦، والأوسط ٤/ ٣٤٦، والبحر الرائق ٢/ ٢١٦، والمغني ٢/ ١٠١، ومختصر اختلاف العلماء ١/ ٣٥٦، والحاوي ٢/ ٤٨٣.
(٧) ينظر: البحر الزخار ٢/ ٤٢، وشفاء الأوام ١/ ٤١٦، ورأب الصدع ١/ ٣٦٢، والأم ٣/ ٢٣، والحاوي ٢/ ٤٨٣. وكما هو قول الإمامية. ينظر: اللمعة الدمشقية ١/ ٧٨٥ وفيه: وألا يكون سفره معصية بأن تكون غايته معصية أو مشتركة بينها وبين الطاعة أو مستلزمة لها كالتاجر في المحرم، والآبق، والناشز.