مقدمة المؤلف
  ومن خصائص هذا الكتاب تخيُّر ما وقع في عبارات المُبْدِعين، وانطوى تحت استعمالات المُفْلِقِين؛ أو ما جاز وقوعُه فيها، وانطواؤه تحتها، من التراكيب التي تَمْلُح وتَحْسُن، ولا تَنْقبِضُ عنها الألسُن؛ لجريها رَسْلاتٍ على الأسَلات، ومرورها عَذْباتٍ على العَذَبات.
  ومنها التوقيفُ على مناهج التركيب والتأليف، وتعريف مدارج الترتيب والترصيف؛ بسَوْق الكلمات مُتناسقة لا مُرْسَلَةً بَدَدا، ومتناظِمَةً لا طَرائِقَ قِدَدا؛ مع الاستكثار من نوابغ الكَلِمِ الهادية إلى مَرَاشد حُرّ المنطِق، الدالّةِ على ضالّةِ المِنْطِيق المُفْلِق.
  ومنها تأسيسُ قوانين فصل الخطاب والكلام الفصيح، بإفراد المجاز عن الحقيقة والكناية عن التصريح.
  فمن حصّل هذه الخصائصّ وكان له حظّ من الإعْراب الذي هو ميزانُ أوضاع العربيّة ومقياسُها، ومِعيار حكمة الواضع وقِسْطاسُها، وأصاب ذَرْواً من علم المعاني، وحَظيَ برَشّ من علم البيان، وكانت له قبل ذلك كلّه قريحةٌ صحيحة، وسَليقَةٌ سَلِيمة؛ فَحُلَ نَثْرُه، وجَزُلَ شِعْرُه؛ ولم يَطُل عليه أن يُناهزَ المقدَّمين، ويخاطر المُقْرَمِين.
  وقد رُتّبَ الكتاب على أشهر ترتيبٍ مُتَداوَلاً، وأسهله مُتَنَاوَلاً؛ يَهْجُم فيه الطالبُ على طَلِبَتِه موضوعةً على طَرَفِ الثُّمامِ وحبل الذّراع، من غير أن يحتاج في التّنْقير عنها إلى الإيجاف والإيضاع؛ وإلى النظر فيما لا يُوصَل إلّا بإعمال الفكر إليه، وفيما دقّق النظر فيه الخَليلُ وسِيبَوَيْه. والله سبحانه وتعالى الموفّق لإفادة أفاضل المسلمين، ولِمَا يتّصل برضا ربّ العالمين.