الفصل الثالث: المعنى
  وذهب جماعة من العلماء إلى أن هذا الوعيد كان لأهل بدر خاصة، وبعضهم قال: كان هذا مع الرسول خاصة فأما مع غيره فالإنهزام جائز، وبعضهم قال: الآية منسوخة بقوله تعالى: {اَ۬ءَلْٰنَ خَفَّفَ اَ۬للَّهُ عَنكُمْ}[الأنفال: ٦٧].
  وجه قولنا: الآية، ويدل على جواز الهرب للمسلمين عند خوف استئصال العدو قول النبي ÷ لجيش مؤتة وقد قيل لهم الفرارون قال بل أنتم العكارون(١).
  الثانية: الفئة، فقيل: الفئة الفرقة المقابلة(٢)، وقيل: الفئة الإمام وجماعة المسلمين، وعليه الأكثر، ويدل عليه قوله ÷ «أنا فئة لكل مسلم».
  الثالثة: أن لهم أن ينحازوا إلى جيش من جيوش المسلمين ويلحقوا بهم هرباً وأن يلتجئوا إلى مصر من أمصار المسلمين أو معقل من معاقلهم إذا لم يظنوا في الثبات نكاية للعدو ولا أمنوا أن يستأصلهم وقد مضى ذكره في المسألة الأولى والحجة عليه.
  الرابعة: أن جيش المسلمين إذا كان في العادة يقاتل مثله العدو وقد يغلب ويقهر ويغلب على الظن ذلك على قدر العدو وجب على المسلمين القتال وإن كان الأمر بخلافه لم يجب وهذا هو مقتضى قول جمهور العلماء.
  فأما تقدير زيد بن علي @ بعدّة أهل بدر فقد حمله بعض علمائنا على أن المراد به إذا كان مثلهم يستقل بقتال العدو.
  وأما على الإطلاق فلا يجب وهذا هو الصحيح، والدليل عليه: ما فعله النبي وعلي صلوات الله عليهما وعلى آلهما وكذلك الأئمة من ولدهما فإنهم لم يقاتلوا إلا بعد أن حصل لهم الاستقلال والرجاء لنكاية العدو.
(١) في (ب): الكرارون.
(٢) في (ب): المقاتلة.