الفصل الثالث: الأحكام: [ما يجوز من الصلح وما لا يجوز وأنواعه]
  قوله: {فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِۖ} معناه: لا حرج على هذا المصلح وصيًّا كان أو غيره، ولا مانع من حمل الآية على الجميع، وصيًّا كان أو حاكماً أو شاهداً أو متوسطاً.
الفصل الثالث: الأحكام: [ما يجوز من الصلح وما لا يجوز وأنواعه]
  الآية تدل على جواز الصلح ولا خلاف فيه، وفي الخبر عن النبي ÷ أنه قال لبلال بن الحارث: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً، والمسلمون عند شروطهم إلا شرطاً حرم حلالاً أو أحل حراماً».
  وفي هذا الفصل مسائل:
  الأولى: أن الصلح جائز في جميع الحقوق من الدماء والأموال بين البالغين من الرجال والنساء وبين المسلمين والذميين إذا لم يدخل فيه ما يمنع الشرع منه ويحظره، ولا خلاف في ذلك على الجملة.
  الثانية: أن الصلح جائز مع الإقرار بالإجماع، وغير جائز مع الإكراه بلا خلاف، وإنما الخلاف في الصلح مع الإنكار والسكوت، فمذهبنا أن الصلح لا يصح معهما، وهو مذهب الهادي والناصر وغيرهما في الإنكار، فأما السكوت فمذهبهم يقتضيه، وهو قول الشافعي، وأظنه قول ابن أبي ليلى. وذهب أبو حنيفة وأصحابه ومالك إلى أن الصلح يجوز معهما.
  ودليلنا قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُواْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَٰطِلِ}[البقرة ١٨٨] وهذا أكل للمال بالباطل؛ لأنه لا يعطيه مع الإنكار إلا من خوف الأذى أو مشقة الخصومة.
  الثالثة: أن الصلح على أربعة أضرب: صلح بمعلوم عن معلوم وهو صحيح بالإجماع، وصلح بمجهول عن مجهول وهو باطل بالإجماع، وصلح بمجهول عن معلوم وهو باطل أيضاً بلا خلاف أعلمه، وصلح بمعلوم عن مجهول وهو صحيح عندنا، وهو الذي صححه أبو العباس وأبو طالب على مذهب الهادي وأحسبه قولهما، وهو قول زيد بن علي والمؤيد بالله وأبي حنيفة وأصحابه. وذهب القاسم والناصر والشافعي ومالك إلى أنه غير صحيح وهو