الفصل الثالث: المعنى: [القصاص والعفو وما يلحق بذلك]
  لما جاز(١) بهذه الآية القصاص بين رجل وامرأة.
  ومنهم من قال: قوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ اُ۬لْقِصَاصُ} جملة مستقلة بنفسها يفهم منها المراد، ثم ذكر القصاص بين من ذكر في آخر الآية وبين الأحكام لا لقصر الحكم عليها؛ لكن لفائدة أخرى، ثم اختلفوا في تلك الفائدة ما هي؟ فبعضهم قال: بيَّن الله [تعالى(٢)] بها أحكام القصاص فينا خلاف ما كانت عليه الجاهلية على ما ذكرناه في الأسباب(٣). ومنهم من قال: بين القصاص فالحر بالحر والعبد بالعبد، فأما القصاص بين الحر والعبد وبين الذكر والأنثى فلا بد من التراجع بزيادة الدية، ذكر ذلك الحسن.
  قوله: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُۥ مِنْ أَخِيهِ شَےْءٞ} قيل: معناه من أعطي في أخيه المقتول الدية وقد عفى عن القود؛ لأن العفو هو الإعطاء، ذكر ذلك علي بن موسى القمي، وحكي ذلك عن مالك وغيره.
  وقيل: «من عفي له» معناه: أعطى بقية ما يجب له مع القود، إذا كان القود بين حر وعبد أو ذكر وأنثى، على ما ذكره الحسن، ورواه الطبري في تاريخه عن علي #.
  وقيل: معناه من عفي له عن القتل وقبلت منه الدية، ولم يذكر الله [تعالى(٤)] العافي الذي هو ولي الدم؛ لأنه معلوم، والمراد بالأخ هو ولي الدم، سماه الله أخاً مجازاً، قال تعالى: {۞وَإِلَيٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداٗۖ}[الأعراف ٦٥] وهذا معنى ما ذكره ابن عباس والحسن وقتادة والربيع والأصم وأبو علي وأبو القاسم وأبو مسلم، وقواه
(١) كذا في الأصل والذي في (ب): لما وجب القصاص بين الرجل والمرأة.
(٢) ما بين المعقوفين من (ب).
(٣) زاد في (ب) بعد قوله الأسباب ما يلي: من قصرها على سببها وبعدها.
(٤) ما بين المعقوفين من (ب).