الفصل الرابع: الأحكام: [متى تجب الهجرة]
  قول النبي ÷: «أنا بريء من كل مسلم أقام في دار الشرك(١)».
  الثالثة: الهجرة من ديار الفاسقين، الماضية فيها أحكامهم ولا يقدر المؤمنون على الامتناع منهم فإن الهجرة حينئذ واجبة عندنا وهو قول القاسم والهادي وأكثر أولادهما $ وعند المؤيد بالله وجمهور الفقهاء أنها لا تجب.
  وجه قولنا: أن الآيات التي في القرآن في ذكر الهجرة في هذه الآية وغيرها قد صرحت بوجوب الهجرة عن ديار الكافرين ولم تجب إلا لكونهم فاعلين لخصال الكفر وسائر المعاصي وقادرين على إمضائها من غير ذمة ولا جوار وكون المسلمين لا يقدرون على منعهم ولا على الامتناع منهم، فإذا وجبت الهجرة من ديار الكفر لهذه العلة وجبت من ديار الفسق لاشتراكهما في العلة وهي وقوع أنواع المعاصي في الدارين جميعاً، وقوة أهلهما.
  والدليل على قولنا: قوله ÷: «لا يحل لعين ترى الله يعصى فتطرف حتى تغير أو تنتقل»، وقوله #: «إذا رأيت أمتي تهاب الظالم أن تقول له: إنك ظالم، فقد تودّع منها» ومن سكن مع الظالمين هابهم بلا محالة.
  فإن قيل: فما تقولون في الهجر المعمورة في ديار الفاسقين وما يكون فيها حال المؤمنين.
  قلت: الجواب أن الهجرة على ضربين: هجرة مراغم لأعداء رب العالمين نحو حصون الأئمة والعلماء الراشدين لما فيها من الضرر على الظالمين، وهجرة اعتزال ولا بد فيها من شرطين: أحدهما البعد عن سماع المنكرات بالآذان ورؤيتها بالأعيان.
  الشرط الثاني: أن يكون أمر صاحب الهجرة نافذاً فيها من إزالة المنكرات
(١) هنا بياض في الأصل إلى قوله الثالثة.