الفصل الرابع: الأحكام: [قصر الصلاة]
  وذهب الناصر والشافعي والإمامية: إلى أنه لا يجوز القصر في سفر المعصية.
  وجه قولنا: أن عموم الأدلة لا تفرق بين المطيع والعاصي في التكاليف الشرعية وقد قدمنا من الأخبار أن التكليف قد ورد على المسافر بركعتين ركعتين إلا المغرب كما فرض على الحاضر أربعاً أربعاً، ولم يفرق في التكليف بين العاصي والمطيع.
  والمعلوم لمن بحث عن الأخبار النبوية أن النبي ÷ قد كان يعلم أن العصاة فيمن يسافر معه كالمنافقين وأهل الإفك الذين رموا عائشة فلم يأمرهم بالتمام ولو كان ذلك تكليفهم لبينه ÷ ولم يسكت عنهم في أمر قد أمره الله ببيانه ولأظهره للسامعين وأوضح الفرق في ذلك بين المطيعين والعاصين فلما لم يذكر ذلك وسكت عنه علمنا أنه لا فرق في ذلك بين المطيع والعاصي والله الهادي.
  وهم ربما يستدلون بقوله تعالى: {فَمَنُ اُ۟ضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٖ وَلَا عَادٖ}[البقرة: ١٧٢]، قالوا: فلم يرخص له في أكل الميتة إلا أن يكون غير باغ ولا عاد وهذا حمل له على وفق مذهبهم فإن الآية مجملة تحتاج إلى البيان فلا تعلق لهم بظاهرها ولو حملناها على قولهم أمكن تخصيصها بالأدلة وإذا تأولناها على خلاف قولهم على ما قال كثير من العلماء سقط تعلقهم بها فيكون المراد غير باغٍ في تناول الميتة ما لا يجوز له ولا يتعدى مقدار ما يجوز له إلى الشبع وربما يقولون هذه رخصة مأخوذة عن النبي ÷ ولم يكن سفره لمعصية وقد ذكرنا ما يبطل قولهم بعموم الأدلة وبما أوضحناه من حصول المعصية لناس من المسافرين معه مما لا يمكن جحدانه وقد ظهر سلطانه، وبينا أن تكليف المسافر غير تكليف المقيم وكل واحد من التكليفين مستقل بنفسه فلو كان تكليف العاصي غير تكليف المطيع لبينه الشارع وهذا ظاهر والله الهادي.