لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل السين]

صفحة 483 - الجزء 2

  على القيام والقعود، فهو أَبداً منبسط.

  والسَّطِيح: المستلقي على قفاه من الزمانة.

  وسَطِيحٌ: هذا الكاهن الذِّئْبيُّ، من بني ذِئْب، كان يتكهن في الجاهلية، سمي بذلك لأَنه كان إِذا غضب قعد منبسطاً فيما زعموا؛ وقيل: سمي بذلك لأَنه لم يكن له بين مفاصله قَضِبٌ تَعْمِدُه، فكان أَبداً منبسطاً مُنْسَطِحاً على الأَرض لا يقدر على قيام ولا قعود، ويقال: كان لا عظم فيه سوى رأْسه.

  روى الأَزهري بإِسناده عن مَخْزُوم بن هانئٍ المخزومي عن أَبيه: وأَتت له خمسون ومائة سنة؛ قال: لما كانت الليلة التي ولد فيها سيدنا رسول الله، ، ارْتَجَسَ إِيوانُ كِسْرى وسقطت منه أَربع عشرة شُرْفةً، وخَمِدَتْ نار فارِسَ ولم تَخْمَدْ قبل ذلك مائة عام، وغاضت بُحَيْرَة ساوَةَ؛ ورأَى المُوبِذانُ إِبلاً صِعاباً تقود خيلاً عِراباً قد قطعت دِجْلَة وانتشرت في بلادها، فلما أَصبح كسرى أَفزعه ما رأَى فلبس تاجه وأَخبر مرازِبَتَه بما رأَى، فورد عليه كتاب بخمود النار؛ فقال المُوبِذانُ: وأَنا رأَيت في هذه الليلة، وقَصَّ عليه رؤياه في الإِبل، فقال له: وأَيُّ شيء يكون هذا؟ قال: حادث من ناحية العرب.

  فبعث كسرى إِلى النعمان بن المنذر: أَنِ ابْعَثْ إِليَّ برجل عالم ليخبرني عما أَسأَله؛ فَوَجَّه إِليه بعبد المَسيح بن عمرو بن نُفَيلَة الغسَّانيّ، فأَخبره بما رأَى؛ فقال: علم هذا عند خالي سَطِيح، قال: فأْتِه وسَلْه وأْتنِي بجوابه؛ فَقَدِمَ على سَطِيح وقد أَشْفى على الموت، فأَنشأَ يقول:

  أَصَمّ أَم يَسْمَعُ غِطرِيفُ اليَمنْ؟ ... أَم فادَ فازْلَمَّ به شَأْوُ العَنَنْ؟

  يا فاصِلَ الخُطَّةِ أَعْيَتْ مَنْ ومَنْ ... (⁣١)، أَتاكَ شَيْخُ الحَيِّ من آلِ سَنَنْ

  رسولُ قَيْلِ العُجْمِ يَسْري للوَسَنْ ... وأُمُّه من آلِ ذِئْبِ بنِ حَجَنْ

  أَبْيضُ فَضْفاضُ الرِّداءِ والبَدَنْ ... تَجُوبُ بي الأَرْضَ عَلَنْداةٌ شَزَنْ،

  تَرْفَعُنِي وَجْناً وتَهْوِي بي وَجَنْ ... (⁣٢)، حتى أَتى عارِي الجآجي والقَطَنْ،

  لا يَرْهَبُ الرَّعْدَ ولا رَيْبَ الزَّمَنْ ... تَلُفُّه في الرِّيحِ بَوْغاءُ الدِّمَنْ

  (⁣٣)، كأَنما حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثَكَنْ⁣(⁣٤)

  قال: فلما سمع سطيح شعره رفع رأْسه، فقال: عبدُ المسيح، على جَمَل مُسيح، إِلى سَطيح، وقد أَوْفى على الضَّريح، بعثك مَلِكُ بني ساسان، لارتجاس الإِيوان، وخُمُود النيران، ورُؤيا المُوبِذان، رَأَى إِبلاً صِعاباً، تَقُود خَيْلاً عِراباً، يا عَبْدَ المسيح إِذا كثرت التِّلاوَة، وبُعِثَ صاحب الهِراوة، وغاضَتْ بُحَيْرَة ساوة، فليس الشام لسطيح شاماً⁣(⁣٥)، يملك منهم مُلوكٌ ومَلِكات، على عددِ الشُّرُفاتِ، وكل ما هو آتٍ آت، ثم قُبِضَ سطيحٌ مكانه، ونهض عبد المسيح إِلى راحلته وهو يقول:


(١) قوله [يا فاصل الخ] في بعض الكتب، بين هذين الشطرين، شطر، وهو: [وكاشف الكربة في الوجه الغضن].

(٢) قوله [ترفعني وجناً الخ] الوجه، بفتح فسكون، وبفتحتين: الأَرض الغليظة الصلبة كالوجين، كأمير. ويروى وجناً، بضم الواو وسكون الجيم، جمع وجين اه. نهاية.

(٣) قوله [بوغاء الدمن] البوغاء: التراب الناعم. والدمن، جمع دمنة، بكسر الدال: ما تدمّن أي تجمع وتلبد، وهذا اللفظ كأنه من المقلوب تقديره تلفه الريح في بوغاء الدمن، وتشهد له الرواية الأَخرى: [تلفه الريح ببوغاء الدمن] اه. من نهاية ابن الأَثير.

(٤) قوله [كأَنما حثحث] أي حثّ وأسرع من حضني، تثنية حضن، بكسر الحاء: الجانب. وثكن، بمثلثة محركاً: جبل اه.

(٥) قوله [فليس الشام لسطيح شاما] هكذا في الأَصل وفي عبارة غيره فليست بابل للفرس مقاماً ولا الشام الخ اه.