[فصل الباء الموحدة]
  أَوَّلَ أَوَّلَ.
  وبدأَ في الأَمرِ وعادَ وأَبْدأَ وأَعادَ.
  وقوله تعالى: وما يُبْدئُ الباطِلُ وما يُعِيدُ.
  قال الزجاج: ما في موضع نصب أَيْ أَيَّ شيءٍ يُبْدِئُ الباطلُ وأَيَّ شيءٍ يُعِيدُ، وتكونُ ما نَفْياً والباطلُ هنا إِبْليِسُ، أَي ما يَخْلُقُ إِبلِيسُ ولا يَبْعَثُ، واللَّه جلَّ وعزَّ هو الخالقُ والباعثُ.
  وفَعَلَه عَوْدَه على بَدْئِه وفي عَوْدِه وبَدْئِه وفي عَوْدَتِه وبَدأَته.
  وتقول: افْعَلْ ذلكَ عَوْداً وبَدْءًا.
  ويقال: رجَعَ عَوْدَه على بَدْئِه: إِذا رجع في الطريق الذي جَاءَ منه.
  وفي الحديث: أَنَّ النبيَّ ﷺ نَفَّلَ في البَدْأَةِ الرُّبُعَ وفي الرَّجْعَةِ الثُلثَ، أَرادَ بالبَدْأَةِ ابتِداءَ سَفَرِ الغَزْوِ وبالرَّجْعةِ القُفُولَ منه؛ والمعْنى كانَ إِذا نَهَضَتْ سَرِيَّةٌ مِنْ جُملةِ العسكر المُقْبِل على العَدُوّ فأَوْقَعَتْ بطائِفةٍ مِنَ العَدُوّ، فما غَنِمُوا كانَ لهمْ الرُّبُع ويَشْرَكُهُمْ سائِرُ العَسكر في ثلاثةِ أَرباعِ ما غَنِموا، وإِذا فَعَلَتْ ذلك عِنْدَ عَوْدِ العسكرِ كانَ لهمْ من جميع ما غَنِمُوا الثُّلث، لأَنَّ الكَرَّةَ الثانِيَةَ أَشَقُّ عليهم، والخَطَر فيها أَعْظَمُ، وذلك لقُوّة الظهر عند دُخولهم وضَعْفِه عند خُروجهم، وهمْ في الأَوّلِ أَنْشَطُ وأَشْهى للسَّيْرِ والإِمْعانِ في بِلادِ العَدُوّ، وهمْ عِنْدَ القُفُولِ أَضْعَفُ وأَفْترُ وأَشْهَى للرُّجوعِ إِلى أَوْطانهمْ، فزادَهمْ لِذلك.
  وفي حديث عَلِيٍّ: واللَّه لقد سَمِعْتُه يقول: لَيَضْرِبُنَّكُم على الدِّين عَوْداً كما ضَرَبْتُموهم عليه بَدْءًا أَي أَوّلاً، يعني العَجَمَ والمَوالي.
  وفي حَديثِ الحُدَيْبِيةِ: يكونُ لهم بَدءُ الفُجُورِ وثناه أَي أَوّلُه وآخِرُه.
  ويُقالُ فلان ما يُبدِئُ وما يُعِيدُ أَي ما يَتَكَلَّمُ ببادِئَةٍ ولا عائِدَةٍ.
  وفي الحديثِ: مَنَعَتِ العِراقُ دِرْهَمها وقَفِيزَها، ومَنَعَتِ الشامُ مُدْيَها ودِينارَها، ومنعت مِصْرُ إِرْدَبَّها، وعُدْتم مِن حيثُ بَدَأْتُمْ.
  قالَ ابنُ الأَثيرِ: هذا الحديثُ من مُعْجِزات سيدِنا رسولْ اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم، لأَنه أَخبر بما لم يكن، وهو في عِلم اللَّه كائن، فَخرَج لفظُه على لفظ الماضِي ودَلَّ به على رضاه من عُمَر بنِ الخطاب ¥ بما وَظَّفَه على الكَفَرةِ من الجِزْيةِ في الأمصار.
  وفي تفسير المنعِ قولان: أَحدُهما أَنه علِم اَنهم سَيُسْلِمُون ويَسْقُطُ عنهم ما وُظِّفَ عليهم، فصارُوا له بِإسلامهم ما نعين؛ ويدل عليه قوله: وعُدْتُم مِن حيثُ بَدَأْتم، لأَنَّ بَدْأَهم، في عِلْم اللَّه، أَنهم سَيُسلِمُون، فَعَادُوا مِن حَيْثُ بَدَؤُوا.
  والثاني أَنهم يَخرُجونَ عن الطَّاعةِ ويَعْصون الإِمام، فيَمْنَعون ما عليهم من الوَظائفِ.
  والمُدْيُ مِكيالُ أَهلِ الشامِ، والقَفِيزُ لأَهْلِ العِراقِ، والإِرْدَبُّ لأَهْل مِصْرَ.
  والابتداءُ في العَرُوض: اسم لِكُلِّ جُزْءٍ يَعْتَلُّ في أَوّلِ البيتِ بِعلةٍ لا يكون في شيءٍ من حَشْوِ البيتِ كالخَرْم في الطَّوِيلِ والوافِرِ والهَزَجِ والمُتقارَب، فإِنَّ هذه كلها يُسَمَّى كلُ واحِدٍ من أَجْزائِها، إِذا اعْتَلَّ، ابتداءً، وذلك لأَنَّ فعولن تُحذف منه الفاءُ في الابتداءِ، ولا تحذف الفاء من فعولن في حَشْوِ البيت البتةَ وكذلك أَوّل مُفاعلتن وأَوّل مَفاعيلن يُحذفان في أَولِ البيت، ولا يُسمى مُسْتَفْعِلُن في البسيطِ وما أَشبهه مما علَّتُه، كعلة أَجزاءِ حَشوه، ابتداءً، وزعم الأَخْفَشُ أَن الخليل جَعَلَ فاعلاتن في أَوّلِ المديدِ ابتداءً؛ قال: ولم يدرِ الأَخْفَشُ لِمَ جَعَلَ فاعِلاتُن ابْتداءً، وهي تكون فَعِلاتن وفاعِلاتن كما تكون أَجزاءُ الحَشْوِ.
  وذهبَ على الأَخْفَشِ أَنَّ الخَليل جعلَ فاعِلاتُن هنا ليست كالحَشو لأَن أَلِفَها تسقُطُ أَبداً بِلا مُعاقبة، وكُلُّ ما جاز في جُزْئه الأَوّلِ ما لا يجوز في حَشْوِه، فاسمه الابتداءُ؛ وإِنما سُمِّي ما وقع في الجزءِ ابتداءً لابتدائِكَ بِالإِعْلالِ.
  وبَدَأَ اللَّه الخَلْقَ بَدْءًا وأَبْدَأَهمْ بمعنى خَلَقَهم.
  وفي