[فصل الهاء]
  وهجرت عائشة ابنَ الزُّبَيْرِ مُدَّةً، وهَجَر جماعة من الصحابة جماعة منهم وماتوا متهاجرين؛ قال ابن الأَثير: ولعل أَحد الأَمرين منسوخ بالآخر، ومن ذلك ما جاء في الحديث: ومن الناس من لا يذكر الله إِلا مُهاجِراً؛ يريد هِجْرانَ القلب وتَرْكَ الإِخلاص في الذكر فكأَنَّ قلبه مهاجر للسانه غير مُواصِلٍ له؛ ومنه حديث أَبي الدرداء، ¥: ولا يسمعون القرآن إِلا هَجْراً؛ يريد الترك له والإِعراض عنه.
  يقال: هَجَرْتُ الشيء هَجْراً إِذا تركته وأَغفلته؛ قال ابن الأَثير: رواه ابن قتيبة في كتابه: ولا يسمعون القول إِلا هُجْراً، بالضم، وقال: هو الخنا والقبيح من القول، قال الخطابي: هذا غلط في الرواية والمعنى، فإِن الصحيح من الرواية ولا يسمعون القرآن، ومن رواه القول فإِنما أَراد به القرآن، فتوهم أَنه أَراد به قول الناس، والقرآنُ العزيز مُبَرَّأٌ عن الخنا والقبيح من القول.
  وهَجَر فلان الشِّرْك هَجْراً وهِجْراناً وهِجْرَةً حَسَنَةً؛ حكاه عن اللحياني.
  والهِجْرَةُ والهُجْرَةُ: الخروج من أَرض إِلى أَرض.
  والمُهاجِرُونَ: الذين ذهبوا مع النبي، ﷺ، مشتق منه.
  وتَهَجَّرَ فلان أَي تشبه بالمهاجرين.
  وقال عمر بن الخطاب، ¥: هاجِرُوا ولا تَهَجَّروا؛ قال أَبو عبيد: يقول أَخْلِصُوا الهِجْرَةَ لله ولا تَشَبَّهُوا بالمهاجِرِينَ على غير صحة منكم، فهذا هو التَّهَجُّر، وهو كقولك فلان يَتَحَلَّم وليس بحليم ويَتَشَجَّع أَي أَنه يظهر ذلك وليس فيه.
  قال الأَزهري: وأَصل المُهاجَرَةِ عند العرب خروجُ البَدَوِيّ من باديته إِلى المُدنِ؛ يقال: هاجَرَ الرجلُ إِذا فعل ذلك؛ وكذلك كل مُخْلٍ بِمَسْكَنِه مُنْتَقِلٍ إِلى قوم آخرين بِسُكناه، فقد هاجَرَ قومَه.
  وسمي المهاجرون مهاجرين لأَنهم تركوا ديارهم ومساكنهم التي نَشَؤُوا بها لله، ولَحِقُوا بدار ليس لهم بها أَهل ولا مال حين هاجروا إِلى المدينة؛ فكل من فارق بلده من بَدَوِيٍّ أَو حَضَرِيٍّ أَو سكن بلداً آخر، فهو مُهاجِرٌ، والاسم منه الهِجْرة.
  قال الله ø: ومن يُهاجِرْ في سبيل الله يَجِدْ في الأَرض مُراغَماً كثيراً وسَعَةً.
  وكل من أَقام من البوادي بِمَنادِيهم ومَحاضِرِهم في القَيْظِ ولم يَلْحَقُوا بالنبي، ﷺ، ولم يتحوّلوا إِلى أَمصار المسلمين التي أُحدثت في الإِسلام وإِن كانوا مسلمين، فهم غير مهاجرين، وليس لهم في الفَيْءِ نصيب ويُسَمَّوْنَ الأَعراب.
  الجوهري: الهِجْرَتانِ هِجْرَةٌ إِلى الحبشة وهجرة إِلى المدينة.
  والمُهاجَرَةُ من أَرض إِلى أَرض: تَرْكُ الأُولى للثانية.
  قال ابن الأَثير: الهجرة هجرتان: إِحداهما التي وعد الله عليها الجنةَ في قوله تعالى: إِن الله اشترى من المؤمنين أَنْفُسَهم وأَموالَهم بأَن لهم الجنَّة، فكان الرجل يأْتي النبي، ﷺ، ويَدَعُ أَهله وماله ولا يرجع في شيء منه وينقطع بنفسه إِلى مُهاجَرِه، وكان النبي، ﷺ، يكره أَن يموت الرجل بالأَرض التي هاجر منها، فمن ثم قال: لكن البائِسُ سَعْدُ بن خَوْلَةَ، يَرْثي له أَن ماتَ بمكة، وقال حين قدم مكة: اللهم لا يَجْعَلْ مَنايانا بها؛ فلما فتحت مكة صارت دار إِسلام كالمدينة وانقطعت الهجرة؛ والهجرة الثانية من هاجر من الأَعراب وغزا مع المسلمين ولم يفعل كما فعل أَصحاب الهجرة الأُولى، فهو مهاجر، وليس بداخل في فضل من هاجر تلك الهجرة، وهو المراد بقوله: لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة، فهذا وجه الجمع بين الحديثين، وإِذا أَطلق ذكر الهجرتين فإِنما يراد بهما هجرة الحبشة وهجرة المدينة.
  وفي الحديث: سيكون هِجْرَةٌ بعد هِجْرَة، فخيار أَهل الأَرض أَلْزَمُهُمْ مُهاجَرَ إِبراهيمَ؛