لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل الراء]

صفحة 437 - الجزء 1

  واسْتَرْهَبَه: اسْتَدْعَى رَهْبَتَه حتى رَهِبَه الناسُ؛ وبذلك فسر قوله ø: واسْترْهَبُوهُم وجاؤُوا بسحْرٍ عظيمٍ؛ أَي أَرْهَبُوهم.

  وفي حديث بَهْز بن حَكِيم: إِني لأَسمع الرَّاهِبةَ.

  قال ابن الأَثير: هي الحالة التي تُرْهِبُ أَي تُفْزِعُ وتُخَوِّفُ؛ وفي رواية: أَسْمَعُك راهِباً أَي خائفاً.

  وتَرَهَّب الرجل إِذا صار راهِباً يَخْشَى اللَّه.

  والرَّاهِبُ: المُتَعَبِّدُ في الصَّوْمعةِ، وأَحدُ رُهْبانِ النصارى، ومصدره الرَّهْبةُ والرَّهْبانِيّةُ، والجمع الرُّهْبانُ، والرَّهابِنَةُ خطأٌ، وقد يكون الرُّهْبانُ واحداً وجمعاً، فمن جعله واحداً جعله على بِناءِ فُعْلانٍ؛ أَنشد ابن الأَعرابي:

  لو كَلَّمَتْ رُهْبانَ دَيْرٍ في القُلَلْ ... لانْحَدَرَ الرُّهْبانُ يَسْعَى، فنَزَلْ

  قال: ووجه الكلام أَن يكون جمعاً بالنون؛ قال: وإِن جمعت الرُّهبانَ الواحد رَهابِينَ ورَهابِنةً، جاز؛ وإِن قلت: رَهْبانِيُّون كان صواباً.

  وقال جرير فيمن جعل رهبان جمعاً:

  رُهْبانُ مَدْيَنَ، لو رَأَوْكَ، تَنَزَّلُوا ... والعُصْمُ، من شَعَفِ العقُولِ، الفادِرُ

  وَعِلٌ عاقِلٌ صَعِدَ الجبل؛ والفادِرُ: المُسِنُّ من الوُعُول.

  والرَّهْبانيةُ: مصدر الراهب، والاسم الرَّهْبانِيَّةُ.

  وفي التنزيل العزيز: وجعَلْنا في قُلُوب الذين اتَّبَعُوه رَأْفةً ورَحْمةً ورَهْبانيَّةً ابْتَدَعوها، ما كَتَبْناها عليهم إِلا ابتغاء رِضوانِ اللَّه.

  قال الفارسي: رَهْبانِيَّةً، منصوب بفعل مضمر، كأَنه قال: وابْتَدَعُوا رَهْبانيَّةً ابْتَدَعوها، ولا يكون عطفاً على ما قبله من المنصوب في الآية، لأَن ما وُضِعَ في القلب لا يُبْتَدَعُ.

  وقد تَرَهَّبَ.

  والتَّرَهُّبُ: التَّعَبُّدُ، وقيل: التَّعَبُّدُ في صَوْمَعَتِه.

  قال: وأَصلُ الرَّهْبانِيَّة من الرَّهْبةِ، ثم صارت اسماً لِما فَضَل عن المقدارِ وأَفْرَطَ فيه؛ ومعنى قوله تعالى: ورَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها، قال أَبو إِسحق: يَحتمل ضَرْبَيْن: أَحدهما أَن يكون المعنى في قوله [ورَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها] وابتدعوا رهبانية ابتدعوها، كما تقول رأَيتُ زيداً وعمراً أَكرمته؛ قال: ويكون [ما كتبناها عليهم] معناه لم تُكتب عليهم البَتَّةَ.

  ويكون [إِلا ابتغاءَ رِضوان اللَّه] بدلَا من الهاءِ والأَلف، فيكون المعنى: ما كَتَبْنا عليهم إِلا ابتغاءَ رِضوانِ اللَّه.

  وابتغاءُ رِضوانِ اللَّه، اتِّباعُ ما أَمَرَ به، فهذا، واللَّه أَعلم، وجه؛ وفيه وجه آخر: ابتدعوها، جاءَ في التفسير أَنهم كانوا يَرَوْن من ملوكهم ما لا يَصْبِرُون عليه، فاتخذوا أَسراباً وصَوامِعَ وابتدعوا ذلك، فلما أَلزموا أَنفسهم ذلك التَّطَوُّعَ، ودَخَلُوا فيه، لَزِمَهم تمامُه، كما أَن الإِنسانَ إِذا جعل على نفسِه صَوْماً، لم يُفْتَرَضْ عليه، لزمه أَن يُتِمه.

  والرَّهْبَنَةُ: فَعْلَنَةٌ منه، أَو فَعْلَلَةٌ، على تقدير أَصْلِيَّةِ النون وزيادتها؛ قال ابن الأَثير: والرَّهْبانِيَّةُ مَنْسوبة إِلى الرَّهْبَنةِ، بزيادة الأَلف.

  وفي الحديث: لا رَهْبانِيَّةَ في الإِسلام، هي كالاخْتِصاءِ واعْتِناقِ السَّلاسِلِ وما أَشبه ذلك، مما كانت الرَّهابِنَةُ تَتَكَلَّفُه، وقد وضعها اللَّه، ø، عن أُمة محمد، .

  قال ابن الأَثير: هي من رَهْبَنةِ النصارى.

  قال: وأَصلها من الرَّهْبةِ: الخَوْفِ؛ كانوا يَتَرَهَّبُون بالتَّخَلي