لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل الحاء]

صفحة 63 - الجزء 10

  نافع: مَحْيايْ ومَماتي، بسكون ياء مَحيايْ، ولكنها ملفوظ بها ممدودة وهذا مع كون الأَوّل منهما حرف مدّ؛ وممّا جاء فيه بغير حرف لين، وهو شاذٌّ لا يقاس عليه، قوله:

  رَخِّينَ أَذْيالَ الحِقِيِّ وارْتَعْنْ ... مَشْيَ حَمِيّات كأَنْ لم يُفْزَعْنْ،

  إِنْ يُمْنَعِ اليومِ نِساء تُمْنَعْنْ

  قال الأَخفش: أَخبرني بعض من أَثق به أَنه سمع:

  أَنا جَريرٌ كُنْيَتي أَبو عَمْرْ ... أَجُبُناً وغَيْرةً خَلْفَ السِّتْرْ

  قال: وسمعت من العرب:

  أَنا ابنُ ماوِيّة إِذا جَدَّ النَّقْرْ

  قال ابن سيده: قال ابن جني لهذا ضرب من القياس، وذلك أَنّ الساكن الأَوّل وإن لم يكن مدّاً فإِنه قد ضارَع لسكونه المدّة، كما أَن حرف اللين إِذا تحرك جرى مَجرى الصحيح، فصحّ في نحو عِوَضٍ وحِولٍ، أَلا تراهما لم تُقْلب الحركةُ فيهما كما قلبت في ريح ودِيمة لسكونها؟ وكذلك ما أُعِلّ للكسرة قبله نحو مِيعاد ومِيقات، والضمة قبله نحو مُوسر ومُوقن إِذا تحرك صح فقالوا مَواعِيدُ ومَواقيتُ ومَياسيرُ ومَياقِينُ، فكما جرى المدّ مجرى الصحيح بحركته كذلك يجري الحرف الصحيح مجرى حرف اللين لسكونه، أَولا ترى ما يَعرِض للصحيح إِذا سكن من الإِدغام والقلب نحو من رأَيت ومن لقِيت وعنبر وامرأَة شَنْباء؟ فإِذا تحرك صح فقالوا الشنَب والعبر وأَنا رأَيت وأَنا لقِيت، فكذلك أَيضاً تجري العين من ارتعْن، والميم من أَبي عمْرو، والقاف من النقْر لسكونها مجرى حرف المد فيجوز اجتماعها مع الساكن بعدها.

  وفي الرحم حَلْقتانِ: إِحداهما التي على فم الفرْج عند طرَفه، والأُخرى التي تنضمُّ على الماء وتنفتح للحيض، وقيل: إِنما الأُخرى التي يُبالُ منها.

  وحَلَّق القمرُ وتحلَّق: صار حولَه دارةٌ.

  وضربوا بيوتهم حِلاقاً أَي صفّاً واحداً حتى كأَنها حَلْقة.

  وحلَّقَ الطائرُ إِذا ارتفع في الهواء واسْتدارَ، وهو من ذلك؛ قال النابغة:

  إِذا ما التَقَى الجَمْعانِ، حَلَّقَ فوقَهمْ ... عَصائبُ طَيْرٍ تَهْتَدِي بِعصائبِ⁣(⁣١)

  وقال غيره:

  ولوْلا سُليْمانُ الأَمِيرُ لحَلَّقَتْ ... به، مِن عِتاقِ الطيْرِ، عَنْقاءُ مُغْرِب

  وإِنما يريد حلَّقت في الهَواء فذهبت به؛ وكذلك قوله أَنشده ثعلب:

  فحَيَّتْ فحيَّاها، فهْبَّتْ فحَلَّقَتْ ... مع النجْمِ رُؤْيا، في المَنامِ، كذُوبُ

  وفي الحديث: نَهَى عن بيع المُحلِّقاتِ أَي بيعِ الطير في الهواء.

  وروى أَنس بن مالك قال: كان النبي، ، يصلي العصر والشمسُ بيضاء مُحَلِّقةٌ فأَرجِع إِلى أَهلي فأَقول صلُّوا؛ قال شمر: مُحلِّقة أَي مرتفعة؛ قال: تحليق الشمس من أَوَّل النهار ارتفاعها من المَشرِق ومن آخر النهار انْحِدارُها.

  وقال شمر: لا أَدري التحليق إِلا الارتفاعَ في الهواء.

  يقال: حلَّق النجمُ إِذا ارتفع، وتَحْلِيقُ الطائرِ ارتفاعه في طَيَرانه، ومنه حلَّق الطائرُ في كَبِد السماء إِذا ارتفع واستدار؛ قال ابن الزبير الأَسَدي


(١) وفي ديوان النابغة:

إِذا ما غَزَوا بالجيش، حلَّق فوقهم