[فصل الأف]
  تعمل يريدُ في اللفظ، وأَما في التقدير فهي عاملةٌ، واسمها مقدَّرٌ في النيَّة تقديره: أَنه تِلْكُمْ الجنة.
  ابن سيده: ولا أَفعل كذا ما أَنَّ في السماء نجْماً؛ حكاه يعقوب ولا أَعرف ما وجه فتْح أَنَّ، إلا أَن يكون على توهُّم الفعل كأَنه قال: ما ثبت أَنَّ في السماء نجْماً، أَو ما وُجد أَنَّ في السماء نجْماً.
  وحكى اللحياني: ما أَنَّ ذلك الجَبَل مكانَه، وما أَن حِراءً مكانَه، ولم يفسّره وقال في موضع آخر: وقالوا لا أَفْعَله ما أَنَّ في السماء نجْمٌ، وما عَنَّ في السماء نجْمٌ أَي ما عَرَضَ، وما أَنَّ في الفُرات قَطْرةٌ أَي ما كان في الفُراتِ قطرةٌ، قال: وقد يُنْصَب، ولا أَفْعَله ما أَنَّ في السماء سماءً، قال اللحياني: ما كانَ وإنما فسره على المعنى.
  وكأَنَّ: حرفُ تشْبيه إنما هو أَنَّ دخلت عليها الكاف؛ قال ابن جني: إن سأَل سائلٌ فقال: ما وَجْه دخول الكاف ههنا وكيف أَصلُ وضْعِها وترتيبها؟ فالجوابُ أَن أَصلَ قولنا كأَنَّ زيداً عمرٌو إنما هو إنَّ زيداً كعمْرو، فالكاف هنا تشبيه صريحٌ، وهي متعلقة بمحذوف فكأَنك قلت: إنَّ زيداً كائنٌ كعمْرو، وإنهم أَرادُوا الاهتمامَ بالتشبيه الذي عليه عقَدُوا الجملةَ، فأَزالُوا الكاف من وسَط الجملة وقدّموها إلى أَوَّلها لإِفراطِ عنايَتهم بالتشبيه، فلما أَدخلوها على إنَّ من قَبْلِها وجب فتحُ إنَّ، لأَنَّ المكسورة لا يتقدَّمُها حرفُ الجر ولا تقع إلَّا أَولاً أَبداً، وبقِي معنى التشبيه الذي كانَ فيها، وهي مُتوسِّطة بحالِه فيها، وهي متقدّمة، وذلك قولهم: كأَنَّ زيداً عمروٌ، إلا أَنَّ الكافَ الآنَ لمَّا تقدَّمت بطَل أَن تكون معلَّقةً بفعلٍ ولا بشيءٍ في معنى الفعل، لأَنها فارَقَت الموضعَ الذي يمكن أَن تتعلَّق فيه بمحذوف، وتقدمت إلى أَوَّل الجملة، وزالت عن الموضع الذي كانت فيه متعلَّقة بخبرِ إنَّ المحذوف، فزال ما كان لها من التعلُّق بمعاني الأَفعال، وليست هنا زائدةً لأَن معنى التشبيه موجودٌ فيها، وإن كانت قد تقدَّمت وأُزِيلت عن مكانها، وإذا كانت غير زائدة فقد بَقي النظرُ في أنَّ التي دخلت عليها هل هي مجرورة بها أَو غير مجرورة؛ قال ابن سيده: فأَقوى الأَمرين عليها عندي أَن تكون أنَّ في قولك كأَنك زيدٌ مجرورة بالكاف، وإن قلت إنَّ الكافَ في كأَنَّ الآن ليست متعلقة بفعل فليس ذلك بمانعٍ من الجرِّ فيها، أَلا ترى أَن الكاف في قوله تعالى: ليس كمِثْله شيءٌ، ليست متعلقة بفعل وهي مع ذلك جارّة؟ ويُؤَكِّد عندك أَيضاً هنا أَنها جارّة فتْحُهم الهمزة بعدها كما يفْتحونها بعد العَوامِل الجارّة وغيرها، وذلك قولهم: عجِبتُ مِن أَنك قائم، وأَظنُّ أَنك منطلق، وبلغَني أَنك كريمٌ، فكما فتحت أَنَّ لوقوعِها بعد العوامل قبلها موقعَ الأَسماء كذلك فتحت أَيضاً في كأَنك قائم، لأَن قبلها عاملاً قد جرَّها؛ وأَما قول الراجز:
  فبادَ حتى لَكأَنْ لمْ يَسْكُنِ ... فاليومَ أَبْكي ومَتى لمْ يُبْكنِي(١)
  فإنه أَكَّد الحرف باللام؛ وقوله:
  كأَنَّ دَريئةً، لمّا التَقَيْنا ... لنَصْل السيفِ، مُجْتَمَعُ الصُّداعِ
  أَعْمَلَ معنى التشبيه في كأَنَّ في الظرف الزَّمانيّ الذي هو لما التَقَيْنا، وجاز ذلك في كأَنَّ لما فيها من معنى التشبيه، وقد تُخَفَّف أَنْ ويُرْفع ما بعدها؛ قال الشاعر:
  أَنْ تقْرآنِ على أَسْماءَ، وَيحَكُما ... منِّي السلامَ، وأَنْ لا تُعْلِما أَحَدا
(١) قوله [لكأن لم يسكن] هكذا في الأَصل بسين قبل الكاف.