لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل النون]

صفحة 428 - الجزء 13

  فاضطربت النُّونُ فمادت الأَرض فخلق الجبال فأَثبتها بها، ثم قرأَ ابن عباس: ن والقلم وما يسطرون، قال ابن الأَنباري في باب إِخفاء النون وإِظهارها: النونُ مجهورة ذات غنة، وهي تخفى مع حروف الفم خاصة، وتبين مع حروف الحلق عامَّة، وإِنما خفيت مع حروف الفم لقربها منها، وبانت مع حروف الحلق لبعدها منها، وكان أَبو عمرو يخفي النون عند الحروف التي تقاربها وذلك أَنها من حروف الفم كقولك: من قال ومن كان ومن جاء.

  قال اللَّه تعالى: من جاء بالحسنة، على الإِخفاء، فأَما بينانها عند حروف الحلق الستة فإِن هذه الستة تباعدت من مخرجها، ولم تكن من قبيلها ولا من حيزها فلم تخفَ فيها، كما أَنها لم تدغم فيها، وكما أَنَّ حروف اللسان لا تدغم في حروف الحلق لبعدها منها، وإِنما أُخفيت مع حروف الفم كما أُدغمت في اللام وأَخواتها كقولك: من أَجلك، من هنا، من خاف، مَنْ حَرَّم زينةَ اللَّه، من عليَّ، من عليك.

  قال: من العرب من يجري الغين والخاء مجرى القاف والكاف في إِخفاء النون معهما، وقد حكاه النضر عن الخليل قال: وإِليه ذهب سيبويه.

  قال اللَّه تعالى: ولمن خافَ مَقامَ ربه جنتان، إِن شئت أَخفيت وإِن شئت أَبنت.

  وقال الأَزهري في موضع آخر: النون حرف فيه نونان بينهما واو، وهي مدّة، ولو قيل في الشعر نن كان صواباً.

  وقرأَ أَبو عمرو نون جزماً، وقرأَ أَبو إِسحق نونِ جرًّا، وقال النحويون: النون تزاد في الأَسماء والأَفعال، فأَما في الأَسماء فإِنها تزاد أَوَّلاً في نفعل إِذا سمي به، وتزاد ثانياً في جُنْدبٍ وجَنَعْدَلٍ، وتزاد ثالثة في حَبَنْطَى وسَرَنْدَى وما أَشبهه، وتزاد رابعة في خَلْبَنٍ وضَيْفَنٍ وعَلْجَنٍ ورَعْشَنٍ، وتزاد خامسة في مثل عثمان وسلطان، وتزاد سادسة في زَعْفَران وكَيْذُبانٍ، وتزاد سابعة في مثل عَبَيْثَران، وتزاد علامة للصرف في كل اسم منصرف، وتزاد في الأَفعال ثقيلة وخفيفة، وتزاد في التثنية والجمع وفي الأَمر في جماعة النساء، والنون حرف هجاء مَجْهورٌ أَغَنُّ، يكون أَصلاً وبدلاً وزائداً، فالأَصل نحو نون نعم ونون جنب، وأَما البدل فذهب بعضهم إِلى أَن النون في فَعْلان فَعْلَى بدل من همزة فَعْلاء، وإنما دعاهم إِلى القول بذلك أَشياء: منها أَن الوزن في الحركة والسكون في فَعْلانَ وفَعْلَى واحدٌ، وأَن في آخر فَعْلان زائدتين زيدتا معا والأُولى منهما أَلف ساكنة، كما أَن فعلان كذلك، ومنها أَن مؤنث فعلان على غير بنائها، ومنها أَنَّ آخر فَعْلاء همزة التأْنيث كما أَن آخر فعلان نوناً تكون في فَعَلْنَ نحو قمن وقعدن علامةَ تأْنيث، فلما أَشبهت الهمزة النون هذا الاشتباه وتقاربتا هذا التقارُبَ، لم يَخْلُ أَن تكونا أَصليتين كل واحدة منهما قائمة غير مبدلة من صاحبتها، أَو تكون إِحداهما منقلبة عن الأُخرى، فالذي يدل على أَنهما ليستا بأَصلين بل النون بدل من الهمزة قولهم في صَنْعاء وبَهْراء، يدل على أَنها في باب فَعْلان، فَعْلَى بدل همزة فَعْلاءَ، وقد ينضاف إِليه مقوِّياً له قولهم في جمع إِنسان أَناسِيّ، وفي ظَرِبانَ ظَرابيّ، فجرى هذا مجرى قولهم صَلْفاء وصَلافي وخَبْراء وخَبارِي، فردُّهم النون في إِنسان وظَرِبانٍ ياء في ظَرابيّ وأَناسيّ، وردُّهم همزة خَبْراء وصَلْفاء ياء، يدل على أَن الموضع للهمزة، وأَن النون داخلة عليها.

  الجوهري: النون حرف من المعجم، وهو من حروف الزيادات، وقد تكون للتأْكيد تلحق الفعل المستقبل بعد لام القسم كقولك: واللَّه لأَضربن زيداً، وتلحق بعد ذلك الأَمر والنهي تقول: اضربن زيداً ولا تضربن عمراً، وتلحق في الاستفهام تقول: هل تضربن زيداً؟ وبعد الشرط كقولك: إِما تضربن زيداً أَضربه، إِذا زدت على إِن ما زدت على فعل الشرط