لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل الجيم]

صفحة 148 - الجزء 14

  العجاج يصف ثوراً وحشيّاً:

  وشَجَرَ الهُدَّابَ عَنْه فَجَفَا

  يقول: رفع هُدْب الأَرْطى بقَرْنه حتى تجافى عنه.

  وأَجْفَيْتُه أَنا: أَنزلته عن مكانه؛ قال:

  تَمُدُّ بالأَعْناق أَو نتَلْوِيها ... وتَشْتَكي لَوْ أَنَّنا نُشْكِيها

  مَسَّ حَوايانا فَلم نُجْفِيها

  أَي فلَمَّا نرفع الحَوِيَّة عن ظهرها.

  وجَفَا جنْبُه عن الفراش وتَجافَى: نَبَا عنه ولم يطمئنّ عليه.

  وجافَيْت جَنْبي عن الفراش فتَجافى، وأَجْفَيْت القَتَب عن ظهر البعير فَجَفا، وجَفَا السرجُ عن ظهر الفرس وأَجْفَيْته أَنا إِذا رفعته عنه، وجافاه عنه فتَجافى.

  وتَجافَى جَنْبُه عن الفراش أَي نَبَا، واسْتجفاه أَي عدّه جافياً.

  وفي التنزيل: تَتَجافى جُنُوبُهم عن المضاجع؛ قيل في تفسير هذه الآية: إِنهم كانوا يصلون في الليل، وقيل: كانوا لا ينامون عن صلاة العَتَمة، وقيل: كانوا يصلون بين الصلاتين صلاةِ المغربِ والعشاءِ الأَخيرةِ تَطَوُّعاً.

  قال الزجاج: وقوله تعالى: فلا تعلم نفس ما أُخْفِيَ لهم من قُرَّةِ أَعْيُنٍ، دليل على أَنها الصلاة في جوف الليل لأَنه عملٌ يَسْتَسِرُّ الإِنسان به.

  وفي الحديث: أَنه كان يُجافي عَضُدَيْه عن جَنْبَيْه في السجود أَي يباعدهما.

  وفي الحديث: إِذا سَجَدْتَ فَ تَجافَ، وهو من الجَفاءِ البُعْدِ عن الشيء، جفاه إِذا بعد عنه، وأَجْفاه إِذا أَبعده؛ ومنه الحديث: اقْرَؤُوا القرآن ولا تَجْفُوا عنه أَي تعاهدوه ولا تبعدوا عن تلاوته.

  قال ابن سيده: وجَفا الشيءُ عليه ثَقُل، لما كان في معناه، وكان ثَقُل يتعدى بعلى، عدَّوْه بعلى أَيضاً، ومثل هذا كثير، والجَفا يقصر ويمدّ خلاف البِرّ نقيض الصلة، وهو من ذلك.

  قال الأَزهري: الجفاء ممدود عند النحويين، وما علمت أَحداً أَجاز فيه القصر، وقد جَفَاه جَفْواً وجَفَاءً.

  وفي الحديث: غير الْغَالي فيه والْجافي؛ الجفاءُ: ترك الصلة والبرّ؛ فأَما قوله:

  ما أَنا بالجافي ولا المَجْفِيِّ

  فإِن الفراء قال: بناه على جُفِيَ، فلما انقلبت الواو ياء فيما لم يسمَّ فاعله بني المفعول عليه؛ وأَنشد سيبويه للشاعر:

  وقَدْ عَلِمَتْ عِرْسِي مُلَيْكَةُ أَنَّني ... أَنا الليثُ مَعْدِيّاً عليه وعادِيَا

  وفي الحديث عن أَبي هريرة قال: قال النبي، : الحياءُ من الإِيمان والإِيمانُ في الجنة والبَذَاءُ من الجَفَاء والجَفاءُ في النار؛ البَذاء، بالذال المعجمة: الفُحْش من القول.

  وفي الحديث الآخر: مَنْ بَدَا جَفَا، بالدال المهملة، خرج إِلى البادية، أَي من سكن البادية غلُظ طبعه لقلة مخالطة الناس، والجَفاءُ غِلَظ الطبع.

  الليث: الجَفْوة أَلْزَم في تَرْكِ الصِّلَة من الجَفاءِ لأَن الجَفاء يكون في فَعَلاته إِذا لم يكن له مَلَقٌ ولا لَبَقٌ.

  قال الأَزهري: يقال جَفَوْته جَفْوَة مرّةً واحدة، وجفاءً كثيراً، مصدر عام، والجَفاء يكون في الخِلْقة والخُلُق؛ يقال: رجل جافِي الخِلْقة وجافِي الخُلُق إِذا كان كَزّاً غليظَ العِشْرة والخُرْقِ في المعاملة والتحامُلِ عند الغضب والسَّوْرةِ على الجليس.

  وفي صفته، : ليس بالجافي المُهِين أَي ليس بالغليظ الخِلْقة ولا الطبع أَو ليس بالذي يجفو أَصحابه، والمهين يروى بضم الميم وفتحها، فالضم على الفاعل من أَهان أَي لا يهين من صحبه، والفتح على