لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل العين المهملة]

صفحة 309 - الجزء 3

  بِطَعْنَةٍ يَجْري لَها عانِدٌ ... كالماءِ مِنْ غائِلَةِ الجابِيَه

  وفسر ابن الأَعرابي العانِدَ هنا بالمائل، وعسى أَن يكون السائل فصحفه الناقل عنه.

  وأَعْنَدَ أَنْفُه: كَثُرَ سَيَلانُ الدمِ منه.

  وأَعْنَدَ الَقيْءَ وأَعْنَدَ فيه إِعناداً: تابعه.

  وسئل ابن عباس عن المستحاضة فقال: إِنه عِرْقٌ عانِدٌ أَو رَكْضَةٌ من الشيطان؛ قال أَبو عبيد: العِرْقُ العانِدُ الذي عَنَدَ وبَغى كالإِنسان يُعانِدُ، فهذا العرق في كثرة ما يخرج منه بمنزلته، شُبِّه به لكثرة ما يخرج منه على خلاف عادته؛ وقيل: العانِدُ الذي لا يرقأُ؛ قال الراعي:

  ونحنُ تَرَكْنا بالفَعاليِّ طَعْنَةً ... لها عانِدٌ، فَوقَ الذِّراعَينِ، مُسْبِل⁣(⁣١)

  وأَصله من عُنودِ الإِنسان إِذا بَغى وعَنَدَ عن القصد؛ وأَنشد:

  وبَخَّ كلُّ عانِدٍ نَعُورِ

  والعَنَدُ، بالتحريك: الجانب.

  وعانَدَ فلانٌ فلاناً إِذا جانبه.

  ودَمٌ عانِدٌ: يسيل جانباً.

  وقال ابن شميل: عَنَدَ الرجل عن أَصحابه يَعْنُدُ عُنُوداً إِذا ما تركهم واجتاز عليهم.

  وعَنَدَ عنهم إِذا ما تركهم في سفر وأَخَذَ في غيرِ طريقهم أَو تخلف عنهم.

  والعُنُودُ: كأَنه الخِلافُ والتَّباعُدُ والترك؛ لو رأَيت رجلاً بالبصرة من أَهل الحجاز لقلت: شَدَّ ما عَنَدْتَ عن قومك أَي تباعدت عنهم.

  وسحابة عَنُودٌ: كثيرة المطر، وجمعه عُنُدٌ؛ وقال الراعي:

  دِعْصاً أَرَذَّ عَلَيْه فُرَّقٌ عُنُدُ

  وقِدْحٌ عَنُودٌ: وهو الذي يخرج فائزاً على غير جهة سائرِ القداح.

  ويقال: اسْتَعْنَدَني فلان من بين القوم أَي قَصَدَني.

  وأَما عِنْدَ: فَحُضُورُ الشيءِ ودُنُوُّه وفيها ثلاث لغات: عِنْدَ وعَنْدَ وعُنْدَ، وهي ظرف في المكان والزمان، تقول: عِنْدَ الليلِ وعِنْدَ الحائط إِلا أَنها ظرف غير متمكن، لا تقول: عِنْدُك واسعٌ، بالرفع؛ وقد أَدخلوا عليه من حروف الجر مِنْ وحدها كما أَدخلوها على لَدُنْ.

  قال تعالى: رحمةً من عِندنا.

  وقال تعالى: من لَدُنَّا.

  ولا يقال: مضيت إِلى عِنْدِك ولا إِلى لَدُنْكَ؛ وقد يُغْرى بها فيقال: عِنْدَكَ زيداً أَي خُذْه؛ قال الأَزهري: وهي بلغاتها الثلاث أَقْصى نِهاياتِ القُرْبِ ولذلك لم تُصَغَّرْ، وهو ظرف مبهم ولذلك لم يتمكن إِلا في موضع واحد، وهو أَن يقول القائل لشيء بلا علم: هذا عِنْدي كذا وكذا، فيقال: ولَكَ عِنْدٌ؛ زعموا أَنه في هذا الموضع يراد به القَلْبُ وما فيه مَعْقُولٌ من اللُّبِّ، وهذا غير قوي.

  وقال الليث: عِنْد حَرْفٌ صِفَةٌ يكون مَوْضعاً لغيره ولفظه نصب لأَنه ظرف لغيره، وهو في التقريب شبه اللِّزْقِ ولا يكاد يجيء في الكلام إِلا منصوباً لأَنه لا يكون إِلا صفةً معمولاً فيها أَو مضمراً فيها فِعْلٌ إِلا في قولهم: ولَكَ عندٌ، كما تقدم؛ قال سيبويه: وقالوا عِنْدَكَ: تُحَذّرُه شيئاً بين يديه أَو تأْمُرُه أَن يتقدم، وهو من أَسماء الفعل لا يتعدى؛ وقالوا: أَنت عِنْدي ذاهبٌ أَي في ظني؛ حكاها ثعلب عن الفراء.

  الفراء: العرب تأْمر من الصفات بِعَلَيْكَ وعِنْدَك ودُونَك وإِلَيْكَ، يقولون: إِليكَ إِليكَ عني، كما يقولون: وراءَكَ وراءك، فهذه الحروف كثيرة؛ وزعم الكسائي أَنه سمع: بَيْنَكما البعيرَ فخذاه، فنصب البعير وأَجاز ذلك في كل الصفات التي تفرد ولم يجزه في اللام ولا


(١) قوله [بالفعالي] كذا بالأَصل.