لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل التاء المثناة فوقها]

صفحة 229 - الجزء 1

  مَن يرفعه، وفيه مع ذلك معنى النصب، كما أَنَّ في قولهم: رَحْمَةُ اللَّه عليه، معنى |.

  وفي الحديث: أَن النبي، ، قال: تُنْكَحُ المرأَةُ لمِيسَمِها ولمالِها ولِحَسَبِها فعليكَ بِذاتِ الدِّين تَرِبَتْ يَداكَ.

  قال أَبو عبيد: قوله تَرِبَتْ يداكَ، يقال للرجل، إذا قلَّ مالُه: قد تَرِبَ أَي افْتَقَرَ، حتى لَصِقَ بالتُّرابِ.

  وفي التنزيل العزيز: أَو مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ.

  قال: ويرَوْنَ، واللَّه أَعلم أَنّ النبيّ، صلى اللَّع عليه وسلم، لم يَتَعَمَّدِ الدُّعاءَ عليه بالفقرِ، ولكنها كلمة جارِيةٌ على أَلسُنِ العرب يقولونها، وهم لا يُريدون بها الدعاءَ على المُخاطَب ولا وُقوعَ الأَمر بها.

  وقيل: معناها للَّه دَرُّكَ؛ وقيل: أَراد به المَثَلَ لِيَرى المَأْمورُ بذلك الجِدَّ، وأَنه إن خالَفه فقد أَساءَ؛ وقيل: هو دُعاءٌ على الحقيقة، فإنه قد قال لعائشة، ^: تَربَتْ يَمينُكِ، لأَنه رأَى الحاجة خيراً لها.

  قال: والأَوّل الوجه.

  ويعضده قوله في حديث خُزَيْمَة، ¥: أَنْعِم صباحاً تَرِبَتْ يداكَ، فإنَّ هذا دُعاءٌ له وتَرْغيبٌ في اسْتِعْماله ما تَقَدَّمَتِ الوَصِيَّةُ به.

  أَ لا تراه قال: أَنْعِم صِباحاً، ثم عَقَّبه بتَرِبَتْ يَداكَ.

  وكثيراً تَرِدُ للعرب أَلفاظ ظاهرها الذَّمُّ وإنما يُريدون بها المَدْحَ كقولهم: لا أَبَ لَكَ، ولا أُمَّ لَكَ، وهَوَتْ أُّمُّه، ولا أَرضَ لك، ونحوِ ذلك.

  وقال بعضُ الناس: إنَّ قولهم تَرِبَتْ يداكَ يريد به اسْتَغْنَتْ يداكَ.

  قال: وهذا خطأٌ لا يجوز في الكلام، ولو كان كما قال لقال: أَتْرَبَتْ يداكَ.

  يقال أَتْرَبَ الرجلُ، فهو مُتْرِبٌ، إذا كثر مالُه، فإذا أَرادوا الفَقْرَ قالوا: تَرِبَ يَتْرَبُ.

  ورجل تَرِبٌ: فقيرٌ.

  ورجل تَرِبٌ: لازِقٌ بالتُّراب من الحاجة ليس بينه وبين الأَرض شيءٌ.

  وفي حديث أَنس، ¥: لم يكن رسولُ اللَّه، ، سَبَّاباً ولا فَحَّاشاً.

  كان يقولُ لأَحَدنا عند المُعاتَبةِ: تَرِبَ جَبِينُه.

  قيل: أَراد به دعاءً له بكثرة السجود.

  وأَما قوله لبعض أَصْحابه: تَرِبَ نَحْرُكَ، فقُتِل الرجُل شهيداً، فإنه محمول على ظاهره.

  وقالوا: الترابُ لكَ، فرَفَعُوه، وإن كان فيه معنى الدعاء، لأَنه اسم وليس بمصدر، وليس في كلِّ شيءٍ من الجَواهِر قيل هذا.

  وإذ امتنع هذا في بعض المصادر.

  فلم يقولوا: السَّقْيُ لكَ، ولا الرَّعْيُ لك، كانت الأَسماء أَوْلى بذلك.

  وهذا النوعُ من الأَسماء، وإن ارْتَفَعَ، فإنَّ فيه معنى المنصوب.

  وحكى اللحياني: التُّرابَ للأَبْعَدِ.

  قال: فنصب كأَنه دعاء.

  والمَتْرَبةُ: المَسْكَنةُ والفاقةُ.

  ومِسْكِينٌ ذُو مَتْرَبةٍ أَي لاصِقٌ بالتراب.

  وجمل تَرَبُوتٌ: ذَلُولٌ، فإمَّا أَن يكون من التُّراب لذلَّتِه، وإما أَن تكون التاء بدلًامن الدال في دَرَبُوت من الدُّرْبةٍ، وهو مذهب سيبويه، وهو مذكور في موضعه.

  قال ابن بري: الصواب ما قاله أَبو علي تَرَبُوتٍ أَنّ أَصله دَرَبُوتٌ من الدربة، فأَبدل من الدال تاء، كما أَبدلوا من التاء دالاً في قولهم دَوْلَجٌ وأَصله تَوْلَجٌ، ووزنه تَفْعَلٌ من وَلَجَ، والتَّوْلَجُ: الكِناسُ الذي يَلِجُ فيه الظبي وغيره من الوَحْش.

  وقال اللحياني: بَكْرٌ تَرَبُوتٌ: مُذَلَّلٌ، فَخصَّ به البَكْر، وكذلك ناقة تَرَبُوت، قال: وهي التي إذا أُخِذَتْ بِمِشْفَرِها أَو بُهدْب عينها تَبِعَتْكَ.

  قال وقال الأَصمعي: كلُّ ذَلُولٍ من الأَرض وغيرها تَرَبُوتٌ، وكلُّ هذا من التُّراب، الذكَرُ والأُنثى فيه سواءٌ.