لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل الفاء]

صفحة 57 - الجزء 5

  أَنه علَّم رجلًا أَن يقول إذا نام وقال: فإِنك إن مُتَّ من ليلتك مُتَّ على الفِطْرةِ.

  قال: وقوله فأَقِمْ وجهك للدين حنيفاً فِطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناسَ عليها؛ فهذه فِطْرَة فُطِرَ عليها المؤمن.

  قال: وقيل فُطِرَ كلُّ إنسان على معرفته بأَن الله ربُّ كلِّ شيء وخالقه، والله أَعلم.

  قال: وقد يقال كل مولود يُولَدُ على الفِطْرة التي فَطَرَ الله عليها بني آدم حين أَخرجهم من صُلْب آدم كما قال تعالى: وإذ أَخذ ربُّكَ من بني آدم من ظهورهم ذُرّياتهم وأَشهدهم على أَنفسهم أَلَسْتُ بربكم قالوا بَلى.

  وقال أَبو عبيد: بلغني عن ابن المبارك أَنه سئل عن تأْويل هذا الحديث، فقال: تأْويله الحديث الآخر: أَن النبي، ، سُئِل عن أَطفال المشركين فقال: الله أَعلم بما كانوا عاملين؛ يَذْهَبُ إلى أَنهم إنما يُولدون على ما يَصيرون إليه من إسلامٍ أَو كفرٍ.

  قال أَبو عبيد: وسأَلت محمد بن الحسن عن تفسير هذا الحديث فقال: كان هذا في أول الإِسلام قبل نزول الفرائض؛ يذهب إلى أَنه لو كان يُولدُ على الفِطْرَةِ ثم مات قبل أَن يُهَوِّدَه أَبوان ما وَرِثَهُما ولا وَرِثَاه لأَنه مسلم وهما كافران؛ قال أَبو منصور: غَبَا على محمد بن الحسن معنى قوله الحديث فذهب إلى أَنَّ قول رسول الله، : كلُّ مولود يُولد على الفِطْرةِ، حُكْم من النبي، ، قبل نزول الفرائض ثم نسخ ذلك الحُكْم من بَعْدُ؛ قال: وليس الأَمرُ على ما ذهب إليه لأَن معنى كلُّ مولود يُولد على الفِطْرةِ خبر أَخبر به النبي، ، عن قضاءٍ سبقَ من الله للمولود، وكتابٍ كَتَبَه المَلَكُ بأَمر الله جل وعز من سعادةٍ أَو شقاوةٍ، والنَّسْخ لا يكون في الأَخْبار إنما النسخ في الأَحْكام؛ قال: وقرأْت بخط شمر في تفسير هذين الحديثين: أَن إِسحق ابن إِبراهيم الحَنْظلي روى حديثَ أَبي هريرة، ¥، عن النبي، : كلُّ مولودٍ يُولد على الفطرة [الحديث] ثم قرأَ أَبو هريرة بعدما حَدَّثَ بهذا الحديث: فِطْرَةَ الله التي فَطَرَ الناس عليها، لا تَبْديل لخَلْقِ الله.

  قال إسحق: ومعنى قول النبي، ، على ما فَسَّر أَبو هريرة حين قَرَأَ: فِطْرَةَ الله، وقولَه: لا تبديل، يقول: لَتلْكَ الخلقةُ التي خَلَقهم عليها إِمَّا لجنةٍ أَو لنارٍ حين أَخْرَجَ من صُلْب آدم ذرية هو خالِقُها إلى يوم القيامة، فقال: هؤلاء للجنة وهؤلاء للنار، فيقول كلُّ مولودٍ يُولَدُ على تلك الفِطْرةِ، أَلا ترى غلامَ الخَضِر، #؟ قال رسول الله، : طَبَعه الله يوم طَبَعه كافراً وهو بين أَبوين مؤمنين فأَعْلَمَ الله الخضرَ، #، بِخلْقته التي خَلَقَه لها، ولم يُعلم موسى، #، ذلك فأَراه الله تلك الآية ليزداد عِلْماً إلى علمه؛ قال: وقوله فأَبواه يُهوِّدانِه ويُنَصِّرانِه، يقول: بالأَبوين يُبَيِّن لكم ما تحتاجون إليه في أَحكامكم من المواريث وغيرها، يقول: إذا كان الأَبوان مؤمنين فاحْكُموا لِولدهما بحكم الأَبوين في الصلاة والمواريث والأَحكام، وإن كانا كافرين فاحكموا لولدهما بحكم الكفر... (⁣١).

  أَنتم في المواريث والصلاة؛ وأَما خِلْقَته التي خُلِقَ لها فلا عِلْمَ لكم بذلك، أَلا ترى أَن ابن عباس، ®، حين كَتَبَ إليه نَجْدَةُ في قتل صبيان المشركين، كتب إليه: إنْ علمتَ من صبيانهم ما عَلِمَ الخضُر من الصبي الذي قتله فاقْتُلْهُم؟ أَراد به أَنه لا يعلم عِلْمَ الخضرِ أَحدٌ في ذلك لما خصه الله به كما خَصَّه بأَمر السفينة والجدار، وكان مُنْكَراً في الظاهر فَعَلَّمه الله علم الباطن، فَحَكَم بإرادة الله


(١) كذا بياض بالأصل.