[فصل الباء]
  ذلك ما أَنشده القالي في نوادره وهو:
  له خَفَقانٌ يَرْفَعُ الجَيْبَ والحَشَى ... يُقَطِّعُ أَزْرارَ الجِرِبّانِ ثائرُه
  هكذا أَنشده، بكسر الجيم والراء، وزعم أَنه وجده كذا بخط إِسحق بن إِبراهيم المَوْصليّ، وكان الفراء ومن تابعه يضم الجيم والراء؛ ومثل هذا بيت ابن الدُّمَيْنة:
  رَمَتْني بطَرفٍ، لو كَمِيًّا رَمَتْ به ... لَبُلَّ نَجيعاً نَحْرُه وبَنائقُه
  لأَن البَنِيقة طَوْقُ الثوب الذي يَضُم النحر وما حولَه، وهو الجُرُبّان؛ قال: ويحتمل أَن يريد العُرى على تفسير الشيباني، قال: ومما يدلُّك على أَن البَنيقة هي الجُرُبَّان قول جرير:
  إذا قِيلَ هذا البَيْنُ، راجعْتُ عَبْرةً ... لها بِجُرُبّانِ البَنيقةِ واكِفُ
  وإِنما أَضاف الجربان إلى البنيقة وإِن كان إياها في المعنى ليُعلم أنهما بمعنى واحد، وهذا من باب إضافة العامّ إلى الخاصّ، كقولهم عِرْقُ النَّسا، وإن كان العرق هو النسا من جهة أَنّ النسا خاصّ والعِرق عامّ لا يخصُّ النسا من غيره، ومثل ذلك حبْل الوَرِيد وحبّ الحَصِيد وثابتُ قُطْنةَ لأَن قُطنة لقبه، وكان يجعل في أنفه قطنة فيصير أَعرف من ثابت، ولما كان الجربان عامّاً ينطلق على البنيقة وعلى غِلاف السيف وأُريد به البنيقة أضافَه إلى البنيقة ليُخصِّصة بذلك؛ قال: ومثل بيت جرير قول ابن الرِّقاع:
  كأَنَّ زُرُورَ القُبْطُرِيَّةِ عُلِّقَتْ ... بَنادِكُها منه بِجِذْعٍ مُقَوَّمِ
  والبَنادِكُ: البنائق، ويروى هذا البيت أَيضاً لمِلْحة الجَرْمِي، ويروى: عُلِّقَت بنائقها، وقيل: هي هنا عُراها فيكون حجة لأَبي عَمرو الشَّيباني.
  قال أبو العباس الأَحول: والبنيقة الدِّخْرِصة؛ وعليه فسر بيت ذي الرمة يَهْجو رَهْط امرئِ القيس بن زيد مَناةَ:
  على كُلٍ كَهْلٍ أَزْعَكِيٍّ ويافِعٍ ... من اللُّؤْمِ، سِرْبالٌ جَديدُ البنائِقِ
  فقال: البنائقُ الدَّخارِصُ، وإِنما خص البنائق بالجِدَّة ليعلم بذلك أنَّ اللؤْم فيهم ظاهر بيِّن كما قال طرَفة:
  تلاقى، وأَحياناً تَبِينُ كأَنها ... بَنائقُ غرٌّ في قَمِيصٍ مُقَدَّدِ
  وقول الشاعر:
  قد أَغْتَدِي والصُّبْحُ ذو بَنِيقِ
  جعل له بَنِيقاً على التشبيه ببَنيقةِ القَميص لبياضها؛ وأَنشد ابن بري هذا الرجز:
  والصبحُ ذو بَنائق
  وقال: شبه بياض الصبح ببياض البنيقة؛ قال: ومثله قول نُصَيْب:
  سَوِدْتُ فلم أَمْلِكْ سَوادِي، وتَحْتَه ... قَمِيصٌ من القُوهِيِّ، بِيضٌ بنَائقُه
  وأَراد بقوله سودتُ أَنه عَوِرَتْ عينُه؛ واستعار لها تحت السواد من عينه قميصا بِيضاً بنائقُه كما استعار الفرزذق للثلج مُلاء بيض البَنائق فقال يصف ناقته:
  تَظَلُّ بعيْنَيْها إلى الجَبَلِ الذي ... عليه مُلاء الثَّلْجِ، بِيضُ البَنائِق