لسان العرب،

ابن منظور (المتوفى: 711 هـ)

[فصل الكاف]

صفحة 523 - الجزء 12

  في الكثرة، وقيل: يحتمل أَن يريد عدد الأَذْكار أَو عدد الأُجُور على ذلك، ونَصْبُ عدد على المصدر؛ وفي حديث النساء: اسْتَحْلَلْتم فُرُوجَهن بكلمة الله؛ قيل: هي قوله تعالى: فإمساك بمعروف أو تسريح بإحْسان، وقيل: هي إباحةُ الله الزواج وإذنه فيه.

  ابن سيده: الكلام القَوْل، معروف، وقيل: الكلام ما كان مُكْتَفِياً بنفسه وهو الجملة، والقول ما لم يكن مكتفياً بنفسه، وهو الجُزْء من الجملة؛ قال سيبويه: اعلم أَنّ قُلْت إنما وقعت في الكلام على أَن يُحكى بها ما كان كلاماً لا قولاً، ومِن أَدلّ الدليل على الفرق بين الكلام والقول إجماعُ الناس على أَن يقولوا القُرآن كلام الله ولا يقولوا القرآن قول الله، وذلك أَنّ هذا موضع ضيِّق متحجر لا يمكن تحريفه ولا يسوغ تبديل شيء من حروفه، فَعُبِّر لذلك عنه بالكلام الذي لا يكون إلا أَصواتاً تامة مفيدة؛ قال أَبو الحسن: ثم إنهم قد يتوسعون فيضعون كل واحد منهما موضع الآخر؛ ومما يدل على أَن الكلام هو الجمل المتركبة في الحقيقة قول كثيِّر:

  لَوْ يَسْمَعُونَ كما سمِعتُ كلامَها ... خَرُّوا لِعَزَّةَ رُكَّعاً وسُجُودا

  فمعلوم أَن الكلمة الواحدة لا تُشجِي ولا تُحْزِنُ ولا تَتملَّك قلب السامع، وإنما ذلك فيما طال من الكلام وأَمْتَع سامِعِيه لعُذوبة مُسْتَمَعِه ورِقَّة حواشيه، وقد قال سيبويه: هذا باب أَقل ما يكون عليه الكلم، فدكر هناك حرف العطف وفاءه ولام الابتداء وهمزة الاستفهام وغير ذلك مما هو على حرف واحد، وسمى كل واحدة من ذلك كلمة.

  الجوهري: الكلام اسم جنس يقع على القليل والكثير، والكَلِمُ لا يكون أقل من ثلاث كلمات لأَنه جمع كلمة مثل نَبِقة ونَبِق، ولهذا قال سيبويه: هذا باب علم ما الكلِمُ من العربية، ولم يقل ما الكلام لأَنه أَراد نفس ثلاثة أَشياء: الاسم والفِعْل والحَرف، فجاء بما لا يكون إلا جمعاً وترك ما يمكن أن يقع على الواحد والجماعة، وتميم تقول: هي كِلْمة، بكسر الكاف، وحكى الفراء فيها ثلاث لُغات: كَلِمة وكِلْمة وكَلْمة، مثل كَبِدٍ وكِبْدٍ وكَبْدٍ، ووَرِقٍ ووِرْقٍ ووَرْقٍ، وقد يستعمل الكلام في غير الإِنسان؛ قال:

  فَصَبَّحَتْ، والطَّيْرُ لَمْ تَكَلَّمِ ... جابِيةً حُفَّتْ بِسَيْلٍ مُفْعَمِ⁣(⁣١)

  وكأَنّ الكلام في هذا الاتساع إنما هو محمول على القول، أَلا ترى إلى قلة الكلام هنا وكثرة القول؟ والكِلْمَة: لغةٌ تَميمِيَّةٌ، والكَلِمة: اللفظة، حجازيةٌ، وجمعها كَلِمٌ، تذكر وتؤنث.

  يقال: هو الكَلِمُ وهي الكَلِمُ.

  التهذيب: والجمع في لغة تميم الكِلَمُ؛ قال رؤبة:

  لا يَسْمَعُ الرَّكْبُ به رَجْعَ الكِلَمْ

  وقال سيبويه: هذا باب الوقف في أَواخر الكلم المتحركة في الوصل، يجوز أن تكون المتحركة من نعت الكَلِم فتكون الكلم حينئذ مؤنثة، ويجوز أن تكون من نعت الأَواخر، فإذا كان ذلك فليس في كلام سيبويه هنا دليل على تأْنيث الكلم بل يحتمل الأَمرين جميعاً؛ فأَما قول مزاحم العُقَيليّ:

  لَظَلّ رَهِيناً خاشِعَ الطَّرْفِ حَطَّه ... تَحَلُّبُ جَدْوَى والكَلام الطَّرائِف

  فوصفه بالجمع، فإنما ذلك وصف على المعنى كما حكى أَبو الحسن عنهم من قولهم: ذهب به الدِّينار الحُمْرُ


(١) قوله [مفعم] ضبط في الأَصل والمحكم هنا بصيغة اسم المفعول وبه أيضاً ضبط في مادة فعم من الصحاح.