[فصل اللام]
  التأدُّبِ، ومنها لامُ العاقبة كقول الشاعر:
  فلِلْمَوْتِ تَغْذُو الوالِداتُ سِخالَها ... كما لِخَرابِ الدُّورِ تُبْنَى المَساكِنُ(١)
  أي عاقبته ذلك؛ قال ابن بري: ومثله قول الآخر:
  أموالُنا لِذَوِي المِيراثِ نَجْمَعُها ... ودُورُنا لِخَرابِ الدَّهْر نَبْنِيها
  وهم لم يَبْنُوها للخراب ولكن مآلُها إلى ذلك؛ قال: ومثلُه ما قاله شُتَيْم بن خُوَيْلِد الفَزاريّ يرثي أَولاد خالِدَة الفَزارِيَّةِ، وهم كُرْدم وكُرَيْدِم ومُعَرِّض:
  لا يُبْعِد اللَّه رَبُّ البِلادِ ... والمِلْح ما ولَدَتْ خالِدَه
  (٢). فأُقْسِمُ لو قَتَلوا خالدا ... لكُنْتُ لهم حَيَّةً راصِدَه
  فإن يَكُنِ الموْتُ أفْناهُمُ ... فلِلْمَوْتِ ما تَلِدُ الوالِدَه
  ولم تَلِدْهم أمُّهم للموت، وإنما مآلُهم وعاقبتُهم الموتُ؛ قال ابن بري: وقيل إن هذا الشعر لِسِمَاك أَخي مالك بن عمرو العامليّ، وكان مُعْتَقَلا هو وأخوه مالك عند بعض ملوك غسّان فقال:
  فأبْلِغْ قُضاعةَ، إن جِئْتَهم ... وخُصَّ سَراةَ بَني ساعِدَه
  وأبْلِغْ نِزاراً على نأْيِها ... بأَنَّ الرِّماحَ هي الهائدَه
  فأُقسِمُ لو قَتَلوا مالِكاً ... لكنتُ لهم حَيَّةً راصِدَه
  برَأسِ سَبيلٍ على مَرْقَبٍ ... ويوْماً على طُرُقٍ وارِدَه
  فأُمَّ سِمَاكٍ فلا تَجْزَعِي ... فلِلْمَوتِ ما تَلِدُ الوالِدَه
  ثم قُتِل سِماكٌ فقالت أمُّ سماك لأَخيه مالِكٍ: قبَّح الله الحياة بعد سماك فاخْرُج في الطلب بأخيك، فخرج فلَقِيَ قاتِلَ أَخيه في نَفَرٍ يَسيرٍ فقتله.
  قال وفي التنزيل العزيز: فالتَقَطَه آلُ فرعَون ليكونَ لهم عَدُوّاً وحَزَناً؛ ولم يلتقطوه لذلك وإنما مآله العداوَة، وفيه: ربّنا لِيَضِلُّوا عن سَبيلِك؛ ولم يُؤْتِهم الزِّينةَ والأَموالَ للضلال وإِنما مآله الضلال، قال: ومثله: إِني أَراني أعْصِرُ خَمْراً؛ ومعلوم أَنه لم يَعْصِر الخمرَ، فسماه خَمراً لأَنَّ مآله إلى ذلك، قال: ومنها لام الجَحْد بعد ما كان ولم يكن ولا تَصْحَب إلا النفي كقوله تعالى: وما كان الله لِيُعذِّبَهم، أي لأَن يُعذِّبهم، ومنها لامُ التاريخ كقولهم: كَتَبْتُ لِثلاث خَلَوْن أي بَعْد ثلاث؛ قال الراعي:
  حتّى وَرَدْنَ لِتِمِّ خِمْسٍ بائِصٍ ... جُدّاً، تَعَاوَره الرِّياحُ، وَبِيلا
  البائصُ: البعيد الشاقُّ، والجُدّ: البئرْ وأَرادَ ماءَ جُدٍّ، قال: ومنها اللامات التي تؤكِّد بها حروفُ المجازة ويُجاب بلام أُخرى توكيداً كقولك: لئنْ فَعَلْتَ كذا لَتَنْدَمَنَّ، ولئن صَبَرْتَ لَترْبحنَّ.
  وفي التنزيل العزيز: وإِذ أَخذَ اللَّه ميثاق النبييّن لَمَا آتَيْتُكُم من كِتابٍ وحِكمة ثم جاءكم رسول مَصدِّقٌ لِما معكم لَتُؤمِنُنَّ به ولَتَنْصُرُنَّه [الآية]؛ روى المنذري عن أبي طالب النحوي أَنه قال: المعنى في قوله لَمَا آتَيْتكم لَمَهْما آتيتكم
(١) قوله [لخراب الدور] الذي في القاموس والجوهري: لخراب الدهر.
(٢) قوله [رب البلاد] تقدم في مادة ملح: رب العباد.